عندما يلفك الكون بعباءته الرمادية الكبيرة
المباني الشاهقة
وعندما وصلت المدرَّج الممتلئ جاء يسأل عن محاضرة الأمس.
- بس أنا لسة عايزة أطلعها.
- خدي وقتك وأنا قاعد هناك، متشكِّر أوي.
كانت تشعر بروحها تنسحب إلى أسفل، وبكل مشاعر الثورة بداخلها تتكاثف إلى قطرات عرق تغزو جسدها وتغرقه. نظرت عبر نافذة المدرج تتلمَّس الأفق الرحب، لكنها أعادت بصرها سريعا؛ فقد كان ما يصدمها حقاً ويشل قدرتها على التفكير هو تلك المباني رمادية اللون التي تكاد تلمحها بوضوح عبر النافذة.
المشهد الأخير
أسباب وجيهة للفرح
غادرنا وكل منا يحمل كتابا وجيها معه، بحجمه الصغير وغلافة الذي لا يخلو من لمعة وعليه رسمه ، لولد وبنت يبتسمان وتعلوهما شمس مشرقة كما يتضح من السبع خطوط التي تخرج من دائرة الشمس، عدت للبيت منهكة بعد ذهابي لحصة رياضة بعد إفطار دسم – إشي كباب وكفته و لحمة بالخضار (وليس العكس) و أرز وشوربة و طبق محشي ضغنن كده...وما أن ذهبت للبيت، رحت أعيد قراءة الإهداء وأنا أطيل التفكير في عنوان الكتاب وكلمة "فرح" ترن في أذني كلحن بعيد...بعيد جدا!
ومر شهر رمضان بالفعل دون أدنى ملامح الفرح ، فقط كورسات الإنجليزي والعيال الحلوين إللي بدرسلوهم و العيال الأحلى والأحلى في الكلية و تمارين الأسكواش المرهقة و زيارة مرة واحدة لساقية الصاوي جلسنا أنا ونهى بجوار النيل الذي أحبه بالفعل ومن كل قلبي!
لكن الفرج جاء مع أجازة العيد ، حينما دعاني أخي – الساكن في البلاد البعيدة- للذهاب معه لشرم الشيخ ، وبعد أن تهللت أساريري و قلت له - كده وكده - ووجههي يحمر في التليفون "بس ده كثير يا أبيه.. وأنا أصلي مش عايزة أضايقكم" ، كنت أحضر شنطة السفر في غبطة وأنا أضع معي ديوان العزيز عمر الذي بدأت أقرأ فيه منذ أن جلسنا في كافتريا المطار وعائشة –بنت أخي - تحوم حولي، وحتى وصلنا لشرم الشيخ.
وهناك بدا لي أنه لايزال هناك ما يدعو للفرح بالفعل، فإذا كانت الشمس بهذا الدفئ والسماء بهذا الصفاء والبحر كالحياة عنيد و كريم، فلماذا الحزن إذن؟
بعدها بأربعة أيام، كانت عائشة تطبع قبلة على خدي وأنا عائدة للقاهرة، وفي مطار شرم الشيخ كنت أتلقى خبر تأخر طائرة مصر للطيران نصف ساعة دون تذمر ...كنت أقرأ الديوان ...وبداخلي طاقة من الفرح تجعلني أنتظر الطائرة ليس لنصف ساعة فقط، بل لخمس ساعات متصلة:
"ليه كل ماجي ارسمك
ألاقيني بارسمني
هو إنت إيه فيا
ولا انتي إيه مني
هو احنا إيه بالضبط
أصلي نسيت النحو
ونسيت أصول الضبط
وانتي نسيتي الكلام
يا موفّق الألوان
يا صاحب القدرة
فين أول الخضرة
وفين حدود البحر
من "أسباب وجيهة للفرح" عن دار الملامح
لما الدنيا تطبطب عليّ
* أصداء نشر مقالي بالعربي الكويتي عن بيت زينب خاتون – نوفمبر 2007
من أرشيف ظاظا وجرجير
ولأني أحب هذا المسسل حبا جما وأجلس دائما في شغف أشاهد "جرجير" الذي أحبه لطيبته الشديدة وتلقائيته رغم كل ما في شخصيته من "توهان" و"خوف" فقد التقيت بالفنان "طارق إسماعيل" (الشاب والفنان القدير) الذي أدى شخصيته "جرجير" في هذا المسلسل..
يا جماعة احنا معانا خالو "جرجير" يتحدث إليكم من ميكروفون "بص وطل"... اتفضلوا معانا.. أهلا بكم..
وبصوت رخيم هادئ يشبه من بعيد صوت "جرجير".. بدأ يتحدث...
الحقيقة.. شحصية "جرجير" مش أول عمل أقدمه للأطفال.. فقد شاركت في "بوجي وطمطم" مع الفنان الكبير "رحمي" وعملت مع فنان كبير اسمه "حسن عبد الغني" في مسلسل اسمه "قزقوز وعم لوز"، إلا أن المسلسل لم يحالفه الحظ في ميعاد العرض.. ومع ذلك استمر المسلسل لسنوات طويلة..
وبعد كده عملت في مركز الدوبلاج في التليفزيون المصري وشاركت في أعمال كثيرة للأطفال.. وده أكسبني خبرة وقدرة أن أستعير أصواتا كثيرة.. وبناء عليه تم اختياري لأداء شخصية "جرجير"..
وهنا وعلى طريقة "ظاظا" وتسرعه قاطعته قائلة: "بس "جرجير" ده مش نفس صوتك في الحقيقة.. ده بعيد عنه خالص...!"
ورد "طارق إسماعيل" قائلا: أيوه.. إحدى سمات شخصية "جرجير" أنه بطيء جدا والبطء في التفكير ده هو اللي خلاني أتكلم ببطء وأختار طبقة صوت جرجير.. الصوت ده غالب عليه حرف "العين" اللي أصبح المركز الرئيسي لخروج الصوت.. يعني كل الكلمات التي يقولها جرجير تخرج من طبقة الصوت دي..
والعروسة نفسها بتوضح ده.. هتلاحظي مثلا إن "جرجير" خدوده عريضة ومبططة مش زي "ظاظا" اللي وشه رفيع وشعره مرفوع لفوق.. العروستين متناقضتين في الشكل.. وفعلا واحد حركي جدا اللي هو "ظاظا" وواحد بطيء جدا اللي هو "جرجير"... ومن خلال العروسة ومن خلال الدراما اخترت الصوت اللي يناسب "جرجير"..
وقاطعته مرة أخرى.. بس "جرجير" شخصية عمرها ما بتتغير.. وده بيخليني أحس إن مفيش للمسلسل أي هدف تربوي.. الأطفال بتتعلم إيه من المسلسل؟
(وباندهاش شديد على ملامحه): بالعكس.. في كل حلقة يطرح المسلسل موضوعا مختلفا.. مثلا حلقة النهارده.. "جرجير" كان بيعمل مضيف طيار.. إلا أنه بدلا من أن يهدئ من روع الراكبين في الطائرة أشاع الخوف بينهم.. وده بيدي درس للأطفال إنه لا داعي للخوف.. الهدف التربوي موجود بس بأسلوب غير مباشر...
ولأنه للأسف الشديد دائما ما نهاجم كل ما هو مصري (مع إننا مصريين) ونخلغ قبعة التحية لكل ما هو عربي أو أجنبي.. فكان لازم أن أسأله عن رأيه في الهجوم على مسلسل "بكار" والمسلسلات الشبيهة الأخرى التي تُتهم حاليا بضحالة الخيال وسوء الصورة..
أنا طبعا باحس بالمرارة لما بالاقي الهجوم ده.. قطاع الفنون المتحركة في مصر ينقصه إمكانيات كثيرة يجب أن تكون موجودة.. ومع هذا فإن مخرج بكار "شريف جمال صبري" عمل تنويعا في الأصوات وتجديدا أكثر مما كان في عهد الدكتورة "منى أبو النصر". أنا طبعا مش باقلل من الدكتورة "منى أبو النصر".. بس مش عايز حد يحبط الراجل ده.. سيبوه يشتغل..!
بس مساحة الخيال محدودة في "بكار".. مش كده؟
بالعكس.. العمل معتمد على بساطة المواطن المصري الصعيدي وبيفرز شخصيته وده اللي بيديه التميز.
طب وإيه رأيك في أعمال الأطفال التي تقدم بالعربية الفصحى؟
المفروض إن احنا نقدم في التليفزيون المصري أعمال باللغة العامية المصرية لأنها هي اللي بتنجح المسلسل.. أنا مش باقلل من اللغة العربية، لكن العامية المصرية جميلة ومش وحشة وبتفرز شخصية المواطن المصري وخفة ظله..
المواطن المصري لما بيتحط في قالب آخر زي اللغة العربية بتكون اللغة ثقيلة وده لا يتيح له أن يخرج ملامحه المصرية السليقة..
وهمهمت وأنا أريد أن أسأله سؤالا آخر.. لولا أنه قاطعني وبصوت تعلو نبراته الصدق.. قال كلاما مهما.. مهما جدا..
يا ريت التليفزيون المصري يكون الراعي للأعمال دي.. (وبحزن شديد يعلو نبرات صوته).. زمان (من سنتين تقريبا) كان مركز الدوبلاج في التلبفزيون المصري ينتج أعمالا باللغة العامية المصرية عالية الجودة.. ومصر كان بيدخلها ملايين من الجنيهات من الصناعة دي.. صناعة مسلسلات الأطفال بالعامية.. والتي كان التليفزيون المصري يبيعها لجميع المحطات العربية..لكن دلوقتي بدل ما نستفيد من هذه الصناعة.. تم إغلاق مركز الدوبلاج وأصبح التليفزيون المصري بيشتري مسلسلات أطفال باللغة العربية الفصحى لا تعبر أبدا عن شخصية المواطن المصري!!!
احنا كده بنقضي على صناعتنا بإيدينا...
وأصبح العاملون في قطاع الدوبلاج إما يعملون لحساب شركات خاصة أو لحساب شركات عربية بمواصفات عربية.. لا تقبل أن تكون العامية المصرية لغة المسلسل..!
وده ليه... العامية المصرية مالها؟!
ببساطة شديدة لأن ده مش من مصلحتهم.. احنا بيقابلنا غزو شديد ومهاجمة شرسة من الأشقاء الأردنيين والسوريين اللي لهم خبرة طويلة في تقديم برامج أطفال باللغة العربية الفصحى.. وهم بيجرونا لده عشان تفضل دايما المنافسة في صالحهم.. وده بيحصل في الوقت اللي اتخلى فيه التليفزيون المصري عن دوره في دعم مسلسلات الأطفال التي تقدم بالعامية المصرية..
حديث الأستاذ "طارق إسماعيل" عن فن الدوبلاج المصري المهدد بالانقراض.. جعلني أسأله عن سمات شخصية "جرجير" الذي يراها هو "مصرية خالصة"..؟
شخصية "جرجير" هي نتاج للبيئة المصرية.. فـ"جرجير" مثل كثير من الشباب خريج قاعد في البيت بلا عمل.. البطالة جزء من حياة "جرجير".. "جرجير" في كل حلقة بيدور عن عمل في مكان مختلف بس من خلال حماقات بيعملها.. آه صحيح الحماقات دي كوميدية وبتضحك بس هي مأساة جيل بحاله..!
وهنا (وعلى طريقة جرجير وتلقائيته) قاطعته وأنا أقول له إن "جرجير" دائما لا يصادفه النجاح في أي عمل يقوم به لأن شخصيته لا تتطور.. ومش لأنه ما بيلاقيش شغل؟
ده حقيقي.. بس الواقع بيقول إن كثيرا من الشباب لا يحصلون على فرصة عمل ليس لعيب في شخصياتهم.. بس لأنه مفيش فرص عمل..!
طيب حضرتك تحب تقول حاجة أخيرة..
أيوه.. يا ريت التليفزيون المصري يهتم ببرامج الأطفال.. ويا ريت السيدة "سوزان مبارك" ترعى فنون الأطفال في مصر خاصة فن الدوبلاج.. لما التليفزيون المصري بينتج الأعمال دي، بيكون له ثقله وبيقدر يوزع الشغل.. لكن اللي حاصل دلوقتي إن التليفزيون المصري ساب الموضوع ده لمنتجين صغيرين يدخلون في منافسة شرسة مع الإخوة السوريين والأردنيين.. هم بيستخدموا كل الطرق عشان يبيعوا أعمالهم وبيقدروا يوزعوها لكن المنتجين الصغيريين بتوعنا ماعندهمش نفس قدرة التوزيع دي...!
أغلقت جهاز التسجيل وظل خالو "جرجير - طارق إسماعيل" يحدثني عن مخرجة العمل الفلسطينية "ليالي إبراهيم" التي ترقى لمستوى الفنان الكبير "رحمي" -رحمه الله- وعن "عمرو إسماعيل - ظاظا" الذي أدى دوره باقتدار أيضا وعن منتج العمل "خالد الحميسي" الذي غامر بفلوسه كي يخرج عمل عرائس "مصري" إلى النور...
وحينما عدت إلى البيت وضرب مدفع الإفطار.. كنت أجلس أشاهد مسلسل "جرجير وظاظا" بعين مختلفة.. كان بداخلي شعور بالفخر والفرحة معا.. وكنت مثل "جرجير" أطلق بداخلي "هيهه" ممتدة وأنا أنظر بإعجاب للإنسان المصري الأصيل الذي لا بد أن يحالفه التوفيق حين يستعين بالله ويأخذ قرارا صامتا بأن ما يقدمه لا بد أن ينجح...
الجدار العازل
ولفترة قريبة جدا، لم يكن موضوع المسيحين والمسلمين من الموضوعات التي تشغلني، بل كنت أعتبرها – بالرغم من الحوادث الدامية بين الحين والأخر- من الأكليشيهات التي لابد أن تطرح إذا ما كان اليوم عيد القيام المجيد أو أن هناك إفطار جماعي للرموز المسيحية والمسلمة في شهر رمضان الكريم.
ثم تغيرت وجهة نظري في الآونة الأخيرة ، فبدأت استشعر بالفعل أن هناك شيئا ما "غير سوي" لم يكن هناك في الفترة القريبة الماضية ، على الأقل بالنسبة لي. وللتدليل على كلامي إليكم بعض المواقف التي حدثت بالفعل لي خلال الأسابيع القليلة الماضية:
-- في إحدى المكتبات العامة مع "منى" و"خالد" أميني المكتبة---
منى : بصراحة حالات الناس إللي بتتنصر زادت أوي بشكل مستفز! قال وسمى نفسه بيشوي!
أنا: أيوة...طب ما أنت عندك برضوا حالات لناس بتسلم ...لو دي حالة مش لازم تديها أكبر من حقها...
وهنا تدخل "خالد" مسئول المكتبة ليؤكد على كلامي :
فعلا أن أعرف بنتين أسلموا كده من نفسهم من كام يوم، واحدة منهم حبت واحد مسلم من بلدنا أسمه "محمود" وحيتجوزها.
وهنا وجدت نفسي أقاطعه: بس الحالات دي أنا ما بحترمهاش!
وأزاء ملامح الاندهاش على وجهه رحت أشرح:
"يعني تفتكر البنت إللي حتتجوز واحد مش من دينها...تفتكر يعني موقف أهلها منها حيكون إيه؟ والدتها يعني حتكون فرحانة؟ أكيد حتكون حزينة ومش بعيد تتمنى لو تموت قبل اليوم ده! "
( و بالمناسبة لا أظن أن الوضع كان سيختلف بأية حال لو أن الأم كانت مسلمة تتلقى خبر زواج ابنها من ابنة لاسرة مصرية مسيحية)
----------------------
وإذا كان هذا الموقف جرى في سياق استفزازي من أن هذا المسيحي أسلم وأن ذاك المسلم تنصر، فإن الموقف التالي يعبر بوضوح عن التعصب الذي آل إليه بعض المسلمين:
فقد كنت في زيارة لإحدى المكتبات العامة وكنت أريد مقابلة مدير المكتبة لكي أقوم بتدريس اللغة الإنجليزية هناك.
الرجل - وهو في حكم والدي - بدا لي من الوهلة الأولى غريب الأطوار، فبدلا من أن يلبي طلبي بتدريس كورس واحد وجدته يقول لي بنبرة تمزج بين الجد والهزل "إني خلاص حادرس كورسين!" وعندما رفضت وأنا أقول له إني ظروفي مش حتسمح بأكثر من كورس واحد، أخذ يقول لي في بشاشة:
"وريني إيديكي كده!"
وبحركة تلقائية رفعت يداي لأعلى، فإذا به يقول لي:
" أهو! لا فيه دبلة في الأيد اليمين واللا الشمال! مش عايزة تأخدي كورسين اتنين ليه بقى؟"
والحقيقية أن الله سبحانه وتعالى يمدني في التعامل في مثل هذه المواقف بصبر أحسد عليه ، فرحت أسألة:
"طب لما حضرتك فيه أزمة في التدريس، ليه ما بتطلبش مدرسين من الجامعة الأمريكية؟"
ويبدو أن السؤال أربك الرجل على نحو لا أفهمه ، فراح يسند لي أسباب أقل ما يقال عنها إنها "عجب العجاب"، منها أن القائمين على التدريس في المكتبة بالفعل كلهم "حلوين" وهو يخشى أن يطلب مدرسين من الجامعة الأمريكية فيرسلون له حد "مش حلو!" ثم وجدته يخفض نبرة صوته ويقول لي:
"أنت عارفة طبعا إن إحنا مش ضد الدين ..بس إنت عارفة إن الجامعة الأمريكية أغلبها مسيحيين وممكن يبعثوا لنا حد منهم"
الصراحة أن إندهاشي مما قاله الرجل عن الدين لم يقل بأيه حال عما قاله عن المدرسين "الحلوين" وكأنه يتحدث عن طبق بسبوسة أو بقلاوة! لكني لم أفهم بالضبط سبب تخوفه: هل يظن مثلا إنه إذا قام مسيحي بالتدريس في المكتبة ، سيقوم بالاستيلاء على الكورسات كلها ويطرد إخوانه المسلمين من المكتبة؟ أليس لهذا الرجل جار مسيحي مد له يد العون ذات مرة؟ ألم يقابل في حياته شخص مثل "مينا" جاري الذي ذهب بعربته في وقت متأخر في الليل ليمتلأ تنك عربيتي بالبنزبن؟ بلاش..ألم يركب أتوبيس ذات مرة، فإذا بأحد الواقفات سيدة ترتدي صليبا وبجوارها سيدة ترتدي آية الكرسي، وكلاهما في وضع غير مريح!!
----------------
الموقف التالي حدث بعد ذلك بعدة أيام، فقد كنت في المحاضرة وكان هناك سؤال في الكتاب عما إذا كان في المقابلات الشخصية في بلدك يتم سؤالك عن دينك.
كدت بالفعل أهم بالقول بأنني لا أظن أن أحد في مصر يسأل عن الديانة في المقابلات الشخصية ببساطة لأنها تكون مكتوبة في السي في، فإذا بنشوي – تلميذتي- تقاطعني قائلة إن إحدى الشركات رفضت تعيينها لأنها مسيحية، وإذا بتامر – مهندس ميكانيكا- يقول لي إن إحدى الشركات رفضت تعيينه لأنه مسلم!
الوضع على هذا النحو بدا لي مأساويا بالفعل، فحتى لو اعتبرت تلك الحالات استثناءات ، وحتى لو قلت لنفسك إننا شعب طيب–مسيحين ومسلمين- وهذا حقيقي بالفعل، إلا إني لم أعد أرى أي علاقات إيجابية تنير الطريق، مثلما كان الحال منذ عدة سنوات، فحتى إذا أخذت نفسي كمثال بسيط؛ فأنا لم تعد علاقتي "بسارة" زميلتي القديمة كما كانت، ولم تعد هي متلهفة على محادثتي تليفونيا وأنا لم أعد كذلك، وكريستين- طالبتي القديمة- انقطعت عن محادثتي تليفونيا لأسباب لا أعلمها. هل كان عليّ أن أبذل مجهودا أكبر للحفاظ على تلك البقع من النور؟ هل لابد أن نفعل شيئا حيال تلك القوقعة التي تميز المسيحين والمسلمين الآن؟ هل المسيحون مسؤلون عن ذلك؟ أم أن الحمل الأكبر يقع على كتف المسلمين، وهم الأغلبية؟ وهل هناك بصيص ضوء، أم أن ثمة جدار عازل يتم بناؤه الآن ولن يمكن لأحد بعد سنوات قليلة أن يرى الآخر؟!
سبعة مشاهد لا غير!
أقف أمام مرآة غرفتي وأنا أرفع يديي لأعلى. أستدير وأنا أحرك يديي تدريجيا لأسفل وكأني باليرينا تأخذ وضع الاستعداد قبل أن تقفز في الهواء وبخطوات رشيقة تجوب المسرح ذهابا وإيابا. أخطو خطوة للخلف فتصطدم قدماي بكتب ومجلات ملقاة على الأرض. أشعر بألم طفيف وأندهش حين ترتسم على المرآة صورة لفتاة تشبهني تماما ترتدي زي لاعبي البالية. من المطبخ أسمع صوت والدتي وهي تدعوني لشرب الشاي. أبتعد سريعا عن المرآة وملامح الإحباط تحوم حول وجهي. كان بإمكاني أن أتعلم الباليه وأنا صغيرة. أما الآن فلا أستطيع أن أفعل ذلك، مجرد التفكير في هذا الأمر الآن يبدو مربكا، مربكا للغاية!
المشهد الثاني: لعبة الكوافير
تجيء الساعة الحادية عشرة ويرن جرس الباب رنينا ممتدا وكأنه صفير قطار يطلب من الجميع أن يبتعد. أجري أفتح الباب وأجد مريم وسلمى -بنات أخي- سلمى كانت نائمة وتريد أن تكمل النوم ومريم تفرح لرؤيتي، تحتضنني.. ثم تجلس على الكرسي الواسع في الصالة لتلتقط أنفاسها وتقول لي بصوت عال "إنهارده حنلعب لعبة الكوافير". أبتسم وأجد يدي تمتد إلى خصلات شعري وأنا أرثي لحالي وما سيحدث لي بعد لحظات!
المشهد الثالث: الأمير لابد أن يأتي…
نحن الآن في شهر مارس، على يميني مريم وسلمى وعلى يساري عائشة، ابنة أخي التي جاءت لتوها من موسكو لتقضي معنا بعض الوقت. نجلس نحن الأربعة لنشاهد فيلم كرتون، أنتهز فرصة انشغال عائشة بالفيلم وأمد خدي بجوار وجهها فتطبع قبلة ممتدة على خدي، هكذا ببساطة دون مقاومة منها ودون أن أضطر لمشاكستها. الفيلم قد قارب على الانتهاء والأمير لم يظهر بعد، أيكون هذا الفيلم مضروبا وبلا أمير؟ أضحك لمجرد الخاطر!
المشهد الرابع: القاهرة الجديدة
في طريق العودة من القاهرة الجديدة، يلفت نظري مشهد للزرع يخرج من وسط المقابر، أقف بالعربة -أنا وأبي وأمي - وأخرج لألتقط صورة بالكاميرا لهذا المشهد. حين أقترب من المكان، يلتف حولي متطفلون وعابرو سبيل، يخبرونني بأن هذه المقابر كانت خاصة باليهود. "يهود!" أقولها بفزع وعيني تتابع امرأة بدوية تسرح بخرفان وسط المقابر. أركب العربية وأنا أفكر في الأمر. هل كانت كارثة ستحدث لو أن اليهود بقوا في مصر ولم يغادروها؟ لا أدري!
المشهد الخامس: عمارة يعقوبيان
أجلس في كايرو شيراتون وليس بجواري أحد يعكر صفوي. ومع ذلك أنا لست راضية تماما ، خلفي تجلس فتاتان كل حديثهما عن قصات الشعر والألوان والبيستاش والمووووف. حتى حين تركت كرسيّ وانتقلت لكرسي مجاور، كان صوتهما يعلو و يستفزني... أوف! البلد دي عايزالها خمسين يعقوبيان عشان الناس تفوق شوية!!
المشهد السادس: البيت بيتك
أفتح التليفزيون على محمود سعد يحاور عمرو موسى عبر التليفون ويسأل "هو البترول ده سلاح ولا مش سلاح؟". يرد عمرو موسى إن الموضوع مش مسألة توصيف وأن المسألة إمكانيات واستعدادات. أشعر بالأسى لأننا أصبحنا أمة مشلولة جهازها العصبي لا يستجيب لأي إشارات تأتي من المخ. شعور بالمرارة يترسب في حلقي كلما شاهدت صور الحرب في التليفزيون وكلما أحسست أننا جميعا مسئولون.. جمعاء ...كل الصامتين...
المشهد الأخير: The END
أقف مرة أخرى أمام المرآة... أتأمل وجهي... أشعر بالرضا أن الله خلق لي ملامح هادئة جميلة على أية حال... أنتزع نفسي من المرآة وأتجه إلى المطبخ لأعد كوبا من الشاي... أمشي باتجاه الصالة وأحس أن بداخلي أسطوانة مفرغة من الهواء... أتحسس ملامح وجهي وأشعر بها جامدة وكأن عليها طبقة من الشمع.. ألقي نظرة على الساعة وأكتشف أنها قاربت على الحادية عشرة.. يرن جرس الباب... ببطء، أفتحه لأجد مريم وسلمى واقفتين أمامي... تبتسمان لي.. تتعلقان بكتفي وتحتضناني...
موت موظف...
- "أنت يعني مش ناوي تلم الدور، عارف إن ما غورتش من وشي الساعة دي ..."
- "طيب حضرتك بس سيب ياقة القميص، واسمحلي أجيب لحضرتك المشرف العام على خدمة العملاء في القطار يؤكد بنفسه الكلام اللي انا قلته لحضرتك".......-
Will I die?
My little heart tells me so,
Before the sun and its first ray,
I will to unknown place ago,
Will it be as this quiet place?
Full of fresh air, water and light,
Will the sun touch again my face,
I wish this could be right,
I am only four months old,
But I will have no more to see,
It’s my turn now to be sold,
In a few minutes, I will leave my tree.
Few minutes and my killer will come,
To separate me from my body.
Then the heartless, blind and dumb
Will shout: “Flowers are ready”
By noon, I and others will go
To a flower shop to be sold
But what then? I don’t know
That’s all I am used to be told.
I listen, I hear near to me,
A voice, so sweet, loving and tender
I opened my eyes lazily to see
A young lady who resembles my late sister
She picked me up by her small hand,
And held me close to her heart,
Now, I feel my luck is not so bad
Though to unknown place, I will part.
In the evening, she met her lover,
And handed him “me” and a small book
She told him to leave us never
With her innocent delicate look.
Oh, God, I could wish nothing better, those poems
And I will live together forever.
Samar
تأملات... أونلين يا جدعان!
أخي د. ضياء النجار المقيم بألمانيا حاليا في رحلة للعلاج عمل مدونة سماها "تأملات" ، والعنوان بتاعها أهو:
http://ta2moulat.blogspot.com/
و أسمحوا لي من مقري هنا بمصر المحروسة أن أنقل إعجابي بأسم المدونة ، وأقول له :
" حلو أوي يا أبيه الأسم...أصل الحال الأيام دي مش ولا بد! و الروح في المناخير والتأمل حيفيد برضوا... آه والله..ع الأقل الواحد يبقى شايف الدنيا من ورا ستارة حرير مش بلاك أوت حايش النور! وإن كنت مش عارفة أوي إن كان ده له علاقة مباشرة بالتأمل واللا لأ"
ع العموم أنا أحب أقولك كلمة لا يمكن أنساها أبدا ، قلتها في تعليقك على البوست بتاعي السابق ذائع الصيت!
"لا يمكن أن يبقى الوضع في مصر على ما هو عليه الآن..وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"!
صباح التأمل يا أبيه ...صباح الواقع الرمادي إللي إحنا عيشينه وباحلم بيوم يتغير! صباح الأمل!! صباحكم جميعا ... ياسمين وكرازنتم...وفل... و كل حاجة حلوة في الدنيا يارب!
من عيد الاستقلال لجلسة ثقافية!
بين مسجد الحسن والرفاعي!
-------------------------------------------
كنت في رمضان الماضي في محاضرة عن الأثار الفرعونية بالجامعة الأمريكية، كان قبل المحاضرة إفطار بالطبع، وفي حديقة مكتبة الكتب النادرة، جلست على الطاولة وبجواري ثلاث أشخاص من جنسيات مختلفة ، امرأة يابانية ، وأستاذان أجنبيان عرفت بعدها أن أحدهما أمريكي ويدعى بروفيسور "إيزي" والآخر كندي الجنسية لا أتذكر أسمه الآن.
كان الجو لطيفا بالفعل، وراحت المرأة اليابانية تحكي لنا عن طوكيو ، وتتعجب من المجتمع المصري المليئ بالأطفال، وكنت أضحك بداخلي وهي تحكي لي إنها أينما ذهبت لابد أن تجد أطفال حولها!
ابتسمت بالفعل وأنا أتذكر تعبير "مصر ولاّدة" وقلت لها إن الناس في مصر فقراء ، لذا ينجبون كثيرا لأن أولادهم يساعدوهم في أعمال مهنية. لكن الناس المتعلمين على الأغلب ينجبون طفل أو ثلاثة على الأكثر.
ارتسمت علامة الارتياح على وجهها وكأني بالفعل ساعدتها في إيجاد مفتاح لمغارة علي بابا التي كانت تود أن تراها، وأحذت هي بشكل تلقائي تكمل حديثها عن بواب العمارة التي تسكن فيها وهي تقول لي في دهشة أن له ثمانية أولاد!
وتماما كما يبدأ لحن الأوركسترا هادئا إلى أن تنضم إليه آلات أخرى مثل التشيلو والكونترباص، بدأت المحادثة وديعة هادئة ثم تغيرت نغمتها بعد ذلك!
فقد أخذ البروفيسور إيزي (أيوة الأمريكي الجنسية) يتحدث عن الحجاب والنقاب، ثم أخذ يتحدث بتعجب عن الفتيات الذين يغطون وجووهن. ثم أخذ يرفع يده و ينزلها في هدوء وكأنه مايسترو يضبط نغم باقي العازفين وهو يقول لي:
- أنت فتاة جميلة ، لكنك لو كنت ترتدين ملابس سوداء وتغطين وجهك ، لكنت خفت منك، ولما فكرّت في محادثتك!
استفزتني الجملة بالطبع ، وحاولت بالفعل أن أكبت اضطرابي ولسان حالي يقول "يا عم ولا تزعل نفسك خالص، والله كان يبقى أحسن"!
ثم أخذت أرد عليه أني لست بالطبع مع التزمت ، لكن ذلك يحدث لأن مساحة أي حاجة تكاد تكون معدومة في مصر (ديموقراطية، إقتصاد، إلخ ، إلخ) ومادام ليس هناك أي أمل في تحقيق أي أحلام في الدنيا، فليكن الأمل في الأخرة إذن! وقلت له إن لو فتاة تجاوزت الخامسة والثلاثين وخطبت ثلاث مرات وفي كل مرة تفشل الخطبة لأسباب مادية على الأرجح، فلا يمكن أن ألومها وأقول لها لماذا قررت أن ترددي النقاب، لأن ذلك سيكون كثيرا !
هدأ الجو بعدها قليلا ، ثم وجدت الأستاذ الكندي ينضم هو الآخر إلى المقطوعة و تحدث عن القرآن وتفسيراته وأننا لازلنا نبقي على تفسيرات جاءت منذ أربع عشرة قرنا.
كان عقلي يعمل بسرعها وقتها كي أفهم ماذا يقصد ، ورحت أرفع بصري إلى السماء وأنا أنظر إلى السحاب الرائق الذي يتداخل مع زرقة السماء.
ثم قال لي أنه يفهم مثلا أن الهدف من تحريم لحم الخنزيز وجود بعض الديدان الضارة في اللحم، لكن الآن العلم قادر على إيجاد أنواع مهجنة من الخنازير لا تحوي تلك الديدان الضارة، فلماذا نحرمه حتى الآن؟
كنت وقتها بالفعل أشعر أني مثل حارس المرمى المطلوب منه أن يسدد ضربة الكرة الآتيه إليه، ورحت أقول لنفسي في أسى :"إيه الحلاوة دي! والله أنتم شوية ناس زي العسل"!
وما أن انهى الرجل كلامه عن لحم الخنزير، قلت له وأنا أنظر إلي المساحة الحضراء أمامي أن هذا الكلام من الممكن أن يحدث في كندا أو أمريكا لأنهم ببساطة يملكون التقنيات الحديثة التي قد تجعلهم ينتجون أنواعا من الخنازير معالجة وراثيا، وتخلو من الأمراض، لكننا في مصر لا نمتلك تلك التقنيات، ومادام الموضوع كذلك ، فسيبقى أكل لحم الخنزير محرما لأن العله من وراء تحريمه لازالت قائمة.
الغريب أني أحسست إن البروفسيور الكندي استراح لإجابتي على نحو ما، ثم قال لي بالإنجليزية:
That is a very good point!
ثم عرفت بعدها إنه كندي مسلم! وإنه أيضا يرى أن الرسومات المسيئة للرسول (عليه الصلاة والسلام) لم تحترم ثقافة العالم الإسلامي، وأخد يقول إنه تقبل تلك الرسومات لأنه كندي نشأ في ظل الثقافة الليبرالية، لكنه لو كان ينتمي لثقافتنا، لكان تضايق مثلنا.
تناولنا الإقطار ورحت أحدث نفسي وأنا ألقي الأطباق البلاستيك الفارغة في سلة المهملات."يا عم إحنا مش بنعرف حتى نصدر القطن بتاعنا، خنازير إيه بس إللي حنهتم بهم!؟ إحنا فعلا في عالم وأنتم في عالم تاني خالص!"
--------------------------------
لكن المقطوعة السادسة عشر لباخ لم تنته! فما أن صعدنا جميعا إلى المبنى لحضور المحاضرة، حتى انهال البروفسيور "إيزي" عليّ بالتعليقات التي جاءت في ظاهرها مجرد أسئلة ، لكنها في باطنها شيئا آخر بالطبع:
"ألا تشعري أن الإسلام أساء للمرأة؟ لماذا يصلي السيدات خلف الرجال في الصلاة؟ أليس من الذوق أن يكون السيدات في الأمام؟ لماذا ترث المرأة نصف ما يرث الرجل؟ ماذا تري؟ هل إذا ما تزوجت ستحتفظين بأموالك كما ينص الإسلام؟ وهل هذا شيئا واقعيا في العصر الذي نعيش فيه؟"
لم أستطع حقيقة أن أرد على كل النقاط التي طرحها الأستاذ الأمريكي، بل إني شعرت بدرجة من الإضطهاد ودرجات كبيرة من عدم الارتياح وحاولت أن أكبت اضطرابي وأنا ارتب الكلام في ذهني كمن يطلق الطلقة الوحيدة في بندقية لا يعرف إن كانت ستعمل أم لا:
"الإسلام لم يهن المرأة! في الإسلام المرأة لها أموالها زي الراجل بالضبط ، وتتقاضى نفس الأجر زيه في العمل، لكن في الغرب الست لسّه بتاخد نص مرتب الراجل. الإسلام ما أهنش المرأة ولا حاجة."
----------------------------------------
انتهت الوصلة الغنائية عند هذا الحد (حمدا لله بالطبع) ، وفي تمام السابعة والنصف مساء، كنت أقف أنا و عشرون زميل وزميلة تحت قبة مسجد الحسن و الرفاعي بالقلعة، كان انعكاس ضوء القمر على قمة الجامع بحجارته الكبيرة الرحبة، يبعث بداخلي شعورا بالرهبة، وتخيلت نفسي وكأني صعدت إلى السماء، وأصبحت جزءا من المشهد، انتبهت إلى صوت "محمد الرزار" قائد الفريق وهو يحكي لنا عن الجامعين وتاريخهما.
ورحت أنظر إلى قبة المسجدين في أسى وكأني انظر إلى حبيب لا أدري لم هجرني وتركني وحيدة، ولوهلة تخيلت جامع الحسن يدا كبيرة تحتويني، وتطبطب عليّ! تأملت الأحجار والزخارف في الجامعين، حاولت أن التقطت صورا في ذهني يمكني أن استرجعها بسهولة فيما بعد! ثم تحركنا جميعا ورحنا نجوب الأحياء الإسلامية القديمة!
------------------------------------------------
في الصباح كانت الحياة تعود كما كانت، أركب العربيه، فـتلتقط عيني عبارة طويلة عريضة لصقها صاحب العربة على الزجاج الخلفي "فداك أبي وأمي يا رسول الله"، ابتسم في مرارة وأول ما اقترب من ساحة كلية الآداب، أجد آيات وأحاديث علقها طلبة بجوار الأشجار، خطوات للأمام فأجد أصوات لشرائط القرآن صوتها يعلو وتتداخل مع بعضها البعض ، فأدرك أن هناك معرضا لبيع الشرائط الدينية! أعود للبيت، في الليل ، أفتح الإنترنت ، واتصفح المدونة التي كنت قد أعددتها كي أكتب بها مقالات عن الرسول عليه الصلاة والسلام باللغة الإنجليزية ولم أكملها، اتصفح الصور التي وضعتها بها في أسى، وأمام عيني يتردد فلاش باك للمظاهرات العارمة ضد الرسومات، أغلق جهاز الكمبيوتر، وينتابني شعور غريب، كأني في سرادق عزاء لشخص شهير تسابق الكل في إظهار حزنهم عليه من أجل كاميرات التليفزيون وكاميرات المحمول! جاء اليوم التالي ، ركبت العربة، ورأيت نفس العبارة في الصباح "فداك أبي وأمي يا رسول الله" ، وضعت المفتاح في العربية ورحت أهدهدها في تأثر "يلا يا لوزة! أمشي بقى! خليكي حلوة أمال؟" ، وبعد العديد من التك تك و تسسسسسسس تحركت العربة وبدأ يوم جديد!
خمسة وعشرين جنية! يا فرج الله!
وطوال الطريق إلى شارع "شريف" كنت أتحدث مع زميلي وأنا أفكر في مصير النسخ الخمس التي تركتها في هذه المكتبة من سنة تقريبا.. يا ترى اتباعوا؟ نسخة طيب يا رب.. أي حاجة!
ولأن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فقد تعرفت على نسخي منذ أن وطأت أقدامي المكتبة تماما كما تتعرف الأم على أطفالها وسط المئات من الأبناء والبنات! هم الخمس نسخ زي ما هم! وطوال الطريق في شارع "شريف" كنت أحمل النسخ الخمس في كيس بلاسيتك شفاف أزرق وأنظر لها بين الحين والآخر في حسرة... لم أشعر بها مجرد كتب بل أحسست بها وكأنها أولادي الذين جرى العمر بهم جميعا وللأسف الشديد لم أستطع أن أفرح بأي منهم!
ولأني كنت أريد أن أخرج من جو الإحباط، فقد رحت أحكي لزميلي عن القارئ الليبي وأشرح له:
- أيوه.. أصل أنا في نهاية "البلياتشو" كاتبة الإيميل بتاعي ومرة واحد بعث لي من ليبيا وقال لي إنه اشترى الكتاب هنا من مصر من مكتبة "روز اليوسف" وإن المجموعة عجبته.
كان هذا الحوار يدور بيني وبين زميلي في طريقي إلى مكتبة "مدبولي" في ميدان طلعت حرب هذه المرة. والذي انتهى وأنا أضحك وأقول له:
- تعرف! يعني حتى القارئ الوحيد إللي بعث يقول لي رأيه في المجموعة طلع مش مصري.. طلع ليبي!
ثم دخلنا مكتبة "مدبولي" ذات الكتب الكثيرة في المنتصف والتي من الصعب معها أن أتعرف على كتبي فيها سواء كانت أولادي الحقيقيين أو حتى بالتبني!
وفي نبرة رضا حزين سألت الواقف في المحل عن النسخ:
- هو حضرتك في حاجة اتباعت من "البلياتشو"؟
لم أصدق ما سمعت وانتابتني حالة من الفرح المفاجئ لدرجة أني تلعثمت في الكلام وبدلا من أن أقول له إن النسخة بخمسة جنيه، قلت له إن النسخة بخمسة وعشرين جنيه! وإزاء ذهول ملامح الرجل، أدركت أني قلت له الرقم غلط:
- قصدي يعني حضرتك إن الخمس نسخ بخمسة وعشرين، آه، وإنتم بتبيعوا النسخة بسبعة جنيه!
خرجت من المكتبة وأنا أقول لزميلي في فرح: شفت؟ خمسة وعشرين جنيه!
ولم أستطع أن أخفي سيل الابتسامات على وجهي وأنا أقول له:
- تعرف، أنا لازم أطلع منهم حاجة لله!
حين ذهبت إلى البيت، كانت أمي تفتح لي الباب وأنا أقول لها الخبر السعيد..
- شفتِ يا ماما؟ فيه خمس نسخ اتباعت من البلياتشو!
ورحت أسلم والدتي الخمسة والعشرين جنيها –التي كنت وضعتها في جيب خاص في الشنطة- وكأني لا أسلمها مجرد فلوس بل شهادة تقدير! ورحت أتخيل وأنا أقف في البلكونة خمسة أشخاص يحملون الكتاب، واحد فيهم وضعه على الكوميدونو حيث كان يقوم بقراءته قبل النوم، أما الآخر فقد وضعه في حقيبته ولابد أنه سيقوم بقراءته في المترو اليوم، أما الثلاثة الآخرون فلم أشأ أن أرسم صورة واضحة لمعالمهم، فقد رحت أنظر إلى المساحة الخضراء أمام عيني وإلى الناس الذين يعبرون الشارع ورحت أحدث نفسي:
- خمسة وعشرين جنيه بحالهم! يعني خمسة قرأوا الكتاب! يا فرج الله!
ثور على نفسك و نفّض للتخلف وخش عليه عدل !
هاجر
اللقاء الثاني
-1-
يلفني الخجل كلما نمت بداخلي مشاعر إعجاب تجاهه؛ كنت في الماضي أحدثه وأنا أتابع تعبيرات وجهه دون قلق أو خوف، الآن أتحاشى النظر إليه أو أبتعد سريعا بعيني مثل عصفور، ينظر إلى الأفق من بعيد وهو على وشك الطيران. حتى الأشياء التي أرتبها في ذهني كي أحدثه فيها، تتبخر ولا يتبقى منها سوى فقاعات من الكلام، أحس بها مثقلة وأحس بنفسي معها وكأني محارب يضع على رأسه خوذة ويرتدي دروعا حديدية تحميه وتقيد حركته... أتضايق من القيود وأحاول أن أتحرر... أستعيد إرادتي... أتذكر كل الانتصارات الصغيرة التي حققتها... ألقي بالدروع والخوذة جانبا... أترك خصلات شعري تنساب... وأتنسم الهواء..
- 2-
بإمكاني الآن أن أفعل أشياء لم أفعلها من قبل.. فأنا لم أعد فوق الأرض، بل فوق السحاب... أجلس في هدوء على البساط الأحمر وأنا أسند يديَ للخلف... حين أمد بصري إلى أسفل، أحس بروحي ترفرف، وأنا أرى الكون من تحتي صغيرا وبيني وبين الأرض مسافات... أضحك وأنا أمسك بيدي قطعة من السحاب الأبيض الناصع...
- 3-
في مسرح كبير يشبه السيرك، أرتدي حذاء باليه وأقف على منصة عالية.. من هذا المكان سأسير على حبل ممتد أمامي أصل به إلى منصة أخرى في نهاية المسرح... أرفع يديَ وأنا أحيي الجمهور... قبل أن أخطو أولى خطواتي، أسمع صوت صفير.. أنظر بعيدا.. فأراه هو واقفا على الطرف الآخر من المنصة، يحيي الجمهور قبل أن يخطو على الحبل مثلي، مجنون هذا؟ هل نسى قواعد اللعبة؟ لو أننا مشينا سويا على هذا الحبل الممتد، فلابد أن أحدنا سيفقد توازنه ويقع!
4-
أنا الآن أمشي في شوارع وسط البلد، للقاهرة طعم آسر في الليل، نبيذ أحمر ونعناع وشاي بالبرتقال.... أتفرج على المحال من حولي.. ملابس سهرات، قمصان نوم، كل شيء. في محل للملابس يقف موديل يرتدي بنطلونا أنيقا وقميصا أبيض وعلى وجهه ابتسامة عريضة... أحملق فيه، تستفزني ابتسامته المفتعلة.. أنظر إليه من فوق لتحت... أدير ظهري وأنا أنظر إلى المحال من حولي وأعبئ صدري بالهواء... متى ستحرر القاهرة من أغلالها وتحررني معها؟ متى؟
-5-
قررت أن أصرخ... سأقف في ميدان التحرير في جوف الليل وأقول ما أريد.. سأحكي لها عن القيود... أقص لها ماضيها... علها تثور... تنتفض.. تحطم الأغلال التي تقيد رقبتها وتقيدني.. سأبكي بين يديها... وأقول لها إنها تهون كل يوم وإن الدنيا تضيق بي ولم أعد أحتمل...
- 6-
أنا الآن بجواره أحدثه... لم تتبخر الأشياء التي أريد أن أقولها كما تصورت.. يتقلص الخوف بداخلي ويتلاشى وأنا أفكر فيما سأقوله لها حين يأتي الليل.... أغادر... وأمشي وأنا أشاهد المباني ذات الطراز القديم وأتأمل جمالها الآسر رغم السنين... أصل أخيرا إلى وسط البلد... أمد بصري إلى السماء وأوقن أن الغروب لم يحن موعده بعد... أتوقف عن السير وأغمض عيني لوهلة فتتبدد المحال والبيوت من حولي وتتشكل قاهرة أخرى أمام عيني... ذات سحر خاص وجمال أخاذ.. أندهش وأفتح عيني لأجدني واقفة كما كنت.... أفيق إلى نفسي... وأنظر إلى السماء من جديد، أتوق إلى لحظة الغروب... أكمل السير.... ويمتد بي الحلم
ده بلوج محترم من عيله محترمه!
الأغنية مش تأليفي ، الحقيقية هي من إبداع أخويا "د.ضياء الدين زاهر" إللي دلوقتي في رحلة علاج في ألمانيا، بس هو الحمد لله طلع من المستشفى وفي مرحلة نقاهة ، ومتابع حتى البلوج بتاعي ، وهو ما يجعلني في حالة سعادة وإنفهاش طبعا..
أبيه ضياء مش مجرد أخ، لأ، هو إللي علمني يعني إيه الواحد يفكر بشكل مستقل وبحرية بس في نفس الوقت حرية مسئولة ، وكل مقال كتبته في صفحة الدين في الدستور ، وكل مذاكره ذاكرتها، وقصص البلياتشو، ومؤخرا مقالات ضربة شمس، كان بتشجيع ومتابعة منه شخصيا بالرغم من البعد و رحلة العلاج، و كله طبعا بفضل الله سبحانه ودعوات أمي وأبويا لنا كلنا .
نرجع بقى لموضوعنا، الأغنية دي أخويا كان قال هالي مرة زمااان ، وساعتها كنا بنتكلم عن الأغاني الهابطة، وقال لي يا بنتي الأغاني الهابطة دي مفيش أسهل منها ولقيته بيقول لي الأغنية دي، ولأني كنت مبهورة بها فكتبتها في كراسة ومن ساعتها حافظاها.
الحاجة الكويسة إللي ف الموضوع إن البلوج بتاعي حينور و يلعلط لأنه أخويا حيشاركني الرد على أي تعليقات ترد على الأغنية..أخوّة بقى وكده...بس سعادتي مش بس لانه أخويا وكاتب تلك الأغنية المهسهسة، بس لأن أخويا مدرس في الجامعة، ومترجم و مفكر، وده إللي يخليني أفخر أكثر إن حد زيه يعلق في بلوجي .
عشان ما تتخنقوش مني ، أكثر من كده، الأغنية أهيه ومستيه تعليقاتكم
وصباحكم ياسمين وكرازنتس وإكلير وكل حاجة حلوة في الدنيا :)
استوب
حبيبي الغالي عليّ
إللي ملاني جراح
بيحاول يلعب بيّ
دايما مسا وصباح
قفل بالضب عليّ
وخد معاه المفتاح
حبيبي بالراحة عليّ
ده أنا قلبي حتة تفاح
اقطم فيه بحنية
وكده أنا حاكون مرتاح
حبيبي يا حلو يا عنبر
ده أنا لسه في التليين
خف السرعة عليّ
وحاسب ع البنزين
استوب استوب استوب
ما بلاش شغل الهيلاهوب
عايز تملك قلبي
املكه يا حبيبي بالحب
ما بلاش شغل الحركات
والآه والنظرات
فاكر قلبي يضعف
واللا ميزانه يطب
استوب استوب استوب
كلاكيت مصر الجديدة
رحلة الألف ميل
الدنيا حبة صور
الصورة هي إذن :
على اليمين تجلس زميلتي العزيزة نهى محمود، في المنتصف الأستاذ بهاء طاهر و على اليسار أجلس.
مهما قلت من كلمات شكر للروائي الكبير ، فلن أفيه حقه ليس فقط لأنه كان فرحا بالترحيب بنا حين قابلناه مصادفة في مكتبة ديوان، فاستشعرت معه بنفس الفرحة التي تنتابني حين أقابل أبي مصادفة وكأني كنت أبحث عنه في الدنيا الواسعة دون أن أدري، ولا لأنه اتاح لنا مساحة من حديثه الرقراق فشعرت بالفعل إني أمام جدول من الماء أقف مدهوشة أمامه وأنا أقول لنفسي إن الله لابد راضيا عني وإلا لما وضع أمامي كل هذا الخير، ولا حتى لأنه قال لي إنه يتابع مدونتي وإنه قرأ البوست الذي كتبته عن واحة الغروب وظللت أقول له وأنا ابتسم في سري إني ضربت محمود بالقلم لأنه ضايقني ولأنه يستحق، ليس لهذه الأشياء منفردة أشكره، بل لشي آخر لا يمكني تعريفه أو التعبير عنه ، لتلك المشاعر الغريبة التي انتابتني وكأن أبي وأمي كانا يحتضناي وكأن كل من أحب يعطونني الورود والهدايا ، وكأن الكون بأكمله تجسد في صورة ساحرة طيبة تنثر علي النجوم وتهدهد قلبي، لكل تلك الأشياء التي لا أعرف كيف أصفها أشكره، وبقى أن أشكر أيضا زميلي العزيز الذي التقط هذه الصورة بكل ما حملت من معاني وذكريات...
الحياة بلون الورد !
أن تكون دكتووور إنجليزي!
أصل حضرتك همه بيشتمونا!
بيشتموكم إزاي يعني؟ شتيمة شتيمة يعني؟
أيوة ..الدكتور إنهارده قال لنا أنا عايزكم تقعدوا زي الجزم، ودكتور تاني قال لواحد إنت نحجت في الترم الأول حاسقطك في الترم التاني.
حاولت أن أبدو بملامح محايدة، لكني لم أستطع، علت على وجهي ابتسامة وأنا أقول لهم في اندهاش "لا..الموضوع ده غريب..ده يضحك أكثر من تشيكوف" ، نظرت في وجه طالبة بجواري فوجدتها تخفي شعور بالارتباك بداخلها، أعرف ذلك الشعور جيدا، أن تشعر بالخجل لأنك لا تحب أن يراك شخصا ما تحبه في موقف ضعف، لم أجد ما يمكني قوله سوى إن عليهم ألا يكونوا سلبيين، ليتحدثوا مع هذا الدكتور إذن أو غيره ويفهموه إنهم غير ذلك، وإنهم ليسوا مسئولين عن سلوك طلاب معينة من الدفعة، تركوني والابتسامة لازالت تعلو وجهي!
غلابة الطلبة دول، يشتكون لي أزمتهم مع الدكاترة ، ولا يعرفون إني لا اختلف عنهم كثيرا، منذ أربعة أيام وأنا أقاسي في القسم كي أحصل على البطاقة الوردية، مشكلتي إني أبدو طالبة في رابعة جامعة على الأكثر، لو كنت دخلت القسم وزعقت فيهم وقلت لهم "أنا دكتورة شيماء زاهر" كانت البطاقة أحذت منى يومين بس!
مشيت في الكوريدور في اتجاه المصعد، ضعطت على الزر، ضعطت مرة أخرى ثم اكتشفت أن عامل المصعد روحّ خلاص ولو فضلت حتى واقفة لغاية انتخابات الرئاسة الجاية، الأسانسير مش حيطلع، سرحت في المشهد أمامي، الأنوار بالليل تضيء قبة الجامعة تجعلها جميلة، جميلة بالفعل، تحركت من مكاني، ورحت أفكر، ألهذا يحبوني؟ لأني الوحيدة التي أعاملهم كبني آدمين بينما بيعاملهم باقي الدكاترة كجزم وكراسي، لو كان الأمر كذلك ، فهذا يعني ببساطة إن مفيش فايدة، ألم يقل لي شخص ذات مرة إن البلد دي ما ينفعش فيها إصلاح ، وإن كلها عايزة تولع وتتبني من جديد..أة والله قال كده ..تولع!
ما أن خرجت من السلالم إلى بهو المبنى، كنت أسمع طالبة تقف مع طالبة أخرى ، وهي تقول لها إن "دي الدكتورة بتاعتنا" ثم أردفت "دي دكتورة زي العسل" ، ابتسمت بالطبع، والأخرى تسألها "دي دكتورة إيه؟" قالت لها "دي دكتورة إنجليزي" ، والله فكرة، يعني هو لما حد يسألني إنت تخصص إيه لازم يعني أقعد ربع ساعة أشرح له في فروق ما بين ستيليستكز و لينجويستكس ، ما كده حلو أوي ، "أنت بتشتغلي إيه؟" ، علاطول أجاوب "أنا دكتورة إنجليزي"، قشطة والله، روحي يا شيخة ربنا يكرمك، في الطريق إلى العربة ، استوقفتي طالبة كي تسلمني التعبيرات التي طلبتها منهم، أخذت تقول لي وعينيها تضحك إن المرة القادمة حتجيب لي تعبيرات أخرى، قلت لنفسي إن واضح إن العيال دول فاضين لي بقى! فتحت باب العربة، وأخذت أحرك الدريكسيون وأعود بالعربة للخلف، ابتسمت، تذكرت نفسي وأنا أغمس أصبعي في الحبر السري في ارتباك وكأني مثلا سأحقق بعدها نصرا عظيما! أهو ولا حاجة تغيرت! وما حدش يقول لي تزوير والنبي ، عشان الناس في البلالا أساسا ولا فارقة معاهم آه ولا لأ!
عبر بوابة الجامعة الرئيسية، كنت أمسح ملامح الابتسام أمام حرس الجامعة؛ وبعدين أنت مزعلة نفسك ليه يعني؟ ما الدنيا حلوة أهه، والعيال بيسمعوا الكلام و بيطلعوا الكلمات من قاموس ، وكله ألسطة، يا شيخة فرفشي أمال، ده العيال بيحبوكي يا شيخة، هو فيه حد يلاقي حد يحبه في الزمن ده؟ بلا تعديلات دستورية ، بلا يحزنون! ورحت أفكر في أنطون تشيكوف والرجل الذي أحب السمكة الملظلظة، والله إنت مسخرة يا شيكو، لأ بجد ، دماغ يعني!
أن تحب قلّه
شفتي يا ماما..أنا طول عمري كنت فاكرة الأغنية حاجة، دلوقتي فهمتها على حقيقتها. ورحت أحدثها وداخلي يبتسم ، وكأنها مثلا هي التي كتبت كلمات الأغنية:
"ممكن تفهميني يعني إزاي يحب واحد ماشفهوش قبل كده؟ إزاي يبقى ولا في ماضي يجمعهم ولا مرة جمعهم مكان و يحبها، إزاي؟ ولا مرة حتى؟"
ولأن والدتي لا تختلف عني كثيرا من حيث الطيبة وما إلى ذلك، فراحت تكمل معي الحديث:
"يمكن شافها مرة وحبها و بعد كده ما شفهاش تاني"!
ورحت أكمل وأنا أضحك معها : "أيوة .. كانت بتدعدي الشارع وكان هو واقف مستني الأتوبيس! والله ممكن ...قصدك يعني زي إللي بيحبوا بعض أونلاين من غير ما يشوفوا بعض..بس إيام محمد فوزي ما كنش فيه إنترنت!"
ثم تذكرت ساعتها موضوع الرجل الذي أحب قلّه، كان فيه راجل في سالف العصر والأوان يمشي تحت بلكونة فيرى امرأة ظنها فاتنة ترتدي بيشة، وظل يتعلق بها كل يوم، ويحبها، حتى أن أكتشف ذات يوم إن حبيبته ما هي إلا قله، ترتدي بيريه على رأسها، خوفا من دخول الناموس والهاموش إليها طبعا!
-------------------------------------------
انسحبت إلى غرفتي وأنا أفكر في القصة وتواترت الأسئلة إلى ذهني: طب يعني هو الراجل كان شعوره إيه لما اكتشف إن البنت إللي بيحبها مش حقيقية ولا تمت لواقعة بصله؟ طب يا ترى لما كان بيعدي على البلكونة بعد كده، كان بيبص لمكان القلة، بيفتكر حبيبته إللي حبها بخياله وما شفهاش تمام زي محمد فوزي بالضبط؟ حركت رأسي يمينا ويسارا و توجهت إلى الراديو وأنا أدير المؤشر على محطة الموسيقى ورحت أقول لنفسي:
طب وإنت مستغربة الراجل ليه؟ طب ما ده بيحصل دلوقتي، لو فتشتي في كل واحد منا، حتلاقيه كان بيحب قله في يوم من الأيام...ثم أخذت استدعي بداخلي كل حكايات الحب التي سمعت عنها بدءا من تلك القارئة العجيبة التي أرسلت لنا مرة رسالة في بص وطل إنها معجبة ابن الجيران وهو كمان بيكلكس بالعربية كل ما بيشوفها ! مرورا بحكايات أخرى لشاب أحب فتاة في صمت طيلة أربع سنوات وكانت علاقتهم لا تتعدى "صباح الخير" و"صباح النور"، أو شاب لا يريد الزواج ولا يقدر أن يحب فتاة أخرى لأنه يعيش في سجن الحب الأول.
نحن إذن في مجتمع قلل، قلتها لنفسي في ارتياح وكأني وجدت التفسير لأمر كان يحيرني منذ زمن، ثم توجهت هذه المرة إلى كمبيوتري وأخذت استمع إلى العزيز براين آدمز في خالدته، "سأكون خطوتين بالخلف"، و"عندما تحب أمرأة "
ابتسمت وأنا اتخيل براين آدمز يغني أغنية للرموش أو العيون أو الضحكة الحلوة أو نيني العين ..كما هوالحال في الأغاني المصرية!
وأخذت أفكر بصوت عالي:
لأ...بجد، يعني مش يمكن ده هو أحد أسباب تخلفنا؟ إن إحنا بتمسك بحاجات غير منطقية أحيانا؟ يعني الغرب وصل القمر وإلخ إلخ وإحنا عندنا لسه شباب زي الورد ممكن يعيش في حالة صادقة من الحزن بسبب روح القلل الطاغية علينا وإن اختلفت درجاتها بالطبع؟ طب مش يمكن بالعكس، تكون دي الحاجة الوحيدة إللي كويسة فينا، يعني في الوقت إللي الغرب قد يعاني لأن العلاقات عندهم قايمة على المنفعة الجسدية في المقام الأول ، الشرق (المتخلف) عنده الدفئ، الصادق في كثير من الأحيان حتى لو كان مبالغا!!
طب إيه؟ يعني الحل إي؟ نرمي القلل ونخسر معها كما حقيقا من الدفئ و المشاعر الطازجة ؟ طب الغرب صح ..أكيد برضوا لأ ، وإلا لما كانت تلك الحكاية التي سمعتها من أخي ذات مرة عن أستاذ في الجامعة انتحر ليس من الفقر كما يحدث في مصر، بل لأنه اكتشف إن حياته لا جدوى لها؟ طب إيه بس؟ نفضل زي ما أحنا؟ أكيد أنا مش بادعي للنموذج الغربي ..بس برضوا فيه مشكلة حقيقية عندنا في موضوع المشاعر، ولو فكرت شوية حتلاقي موضوع القلل ده مرتبط بأحداث سياسية إحنا مرينا بها.. لأن المواضيع بتنفد على بعضها في النهاية..أنا مش بادعو لتحطيم القلل بس فعلا فيه حاجة غلط فينا..يمكن مش قادرة أحددها بس ما يمنعش إني حاسة بوجودها وبتؤرقني في بعض الأحيان...
---------------------------------------------------
نرجع بقى لموضوعنا ، الأغنية بتاعة فوزي أسمها "تملي في قلبي " والحقيقة أنا باحبها أوي مع كل ما أثارته بداخلي من تساؤلات...صباح الجمال والميه بالنعناع والليمون..قلل بقى وكده
كلاكيت تاني مرة: البحر بيضحك ليه؟
واحة الغروب
نظرت إلى المدرج ، فلم أجد إلا قليل من الطلبة يجلسون متباعدين. فرحت التهم السطور ولم أنتبه إلا و الأساتذة الملاحظين يقتربون مني ويقولون لي "خلاص" وفي أيديهم أربعين ورقة إجابة. ابتسمت ورحت اتبعهم لغرفة الكنترول. حبكت يعني الإمتحان يخلص دلوقتي؟ كنت حافر كده في السريع الأربعين الثلاثين صفحة الفاضلين! كان لازم يعني؟!
البحث عن حسحلاوي!
أما "حسحلاوي" ، فهو من قام بسرقة قصة لي كانت قد نشرت في بص وطل، والموضوع جاء بالصدفة حين كنت أبحث في جوجل عن رابط قصتي لقراءة التعليقات التي جاءت عليها، ولكن بدلا من الرابط المطلوب وجدت رابط للقصة في منتدى قطري! ورابط آخر لمنتدى يدعى "مراحب".
والحقيقة إني امتاز بحسن نية لدرجة أحسد عليها، لذا ما ظننته في البداية أن شخص ما قد أعجبته القصة، فقرر نشرها في المنتدى وكنت أظن أنه لابد قد ذكر أسم كاتب القصة أو حتى من أين أتي بها، لكن هذا بالطبع لم يحدث! ما فعله هو أنه وضع القصة كمشاركة له في "منتدى القصة" في كلا الموقعين ، ولم يذكر أي شيئ عن إنها منقولة أو من أين جاء بها! ولم يكتف بذلك، بل أخذ يرد على المعجبين والمعجبات بكتابته في المنتدى في تباته وبجاحة غريبة:
"متشكر على مرورك الغالي"
"ما أسعدني أكثر هو تواجدك في صفحتي المتواضعة "
وخلال دقائق ، كنت قد اشتركت في المنتدى وأرسلت تعليقا لحسحلاوي! أقول له فيها إنه عيب عليه يسرق قصص الناس ويقول إنها بتاعته ! ثم وضعت له تحذيرا مفاده إنه إن لم يلغي المشاركة، فإني سيكون لي كلام آخر وتصرف آخر معه!
المهم ، بعد مزيد من التهديدات إلى حسن حلاوة، ويوم ويومين ، كانت القصة كما هي في الموقع! كل ما تغير إنه أضاف إلى القصة كلمة "منقول" في النهاية ! ولغى بالطبع تعليقي الذي أقول له فيها إنه قام بسرقة القصص!
لا أدري حتى الآن ما هو "الكلام الثاني" الذي سأقوله له أو ما سأفعله كي يلغي حسن حلاوة قصتي من على المنتدى، عزائي الوحيد هو هؤلاء القراء الذين أعجبتهم القصة ، حتى لو كان حسن ده هو إللي سارقها!
القصة بالمناسبة أسمها "اللقاء الثاني" وكانت قد نشرتها بص وطل من فترة ليست بالبعيدة!
أستغماية!
آآآه..هو أنت فلان الفلاني؟
أيوة
مدونتك أسمها ... ؟
أيوة
أنت بتكتب في المكان الفلاني؟
أيوة
ثم تكتشف بعد ذلك أن ذلك الشخص أو غيره يتابعك جيدا ويعرف كل ما كتبته، وربما تفرح مثلي، أو تسرح قليلا في إبتسام وأنت تحس أن تتابع الجمل التي قالها لك، يذكرك بمشهد في مسرحية شاهد..أيوة المشهد ده إللي بيتعرف فيه عادل إمام على الشخص القابع في القفص في جمل سريعة متتالية كتلك التي كنت تسمعها منذ قليل، مع الفارق طبعا!
لكل هؤلاء الأعزاء القليليين أعتذر أن المدونة ستتوقف عن الكلام لفترة ربما تطول ، وكل ما آمله هو أن أجد في تلك الفترة ما قد يستحق أن أكتب عنه بعد ذلك، وأعود أقف كواحدة من هذه الدائرة الكبيرة الرحبة من الرفاق، أضع منديل على عيني ، يتخللها بصيص من الضوء على الرغم منه، ونعود سويا من جديد...
حُب على كف عفريت!
أرى شادي يبتسم لشيء كنت أقوله لا أراه يدعو للإبتسام . اتوقف عن الكلام : "هو فيه حاجة يا شادي"؟
- لا أبدا..أصل هو إللي عايز يمشي ويروح الحمام، و يشير بيده إلى الطالب الأسمر الآتي من جزر القمر.
ابتسمت رغما عني على ملامح شادي ، كتمت الغيظ بداخلي وأنا أردد "يارب أنت كريم، توب عليّ من العيال الحلوين دول والشغلانة دي بقى!"
بعد قليل، كنت أحدثهم عن مفهوم الثقافة:
- يعني مش لازم يكون اتنين من بلدين مختلفين عشان يكون ثقافتهم مختلفة، ممكن يكون اتنين من بلد واحدة بس لكل واحد فيهم ثقافة مختلفة..وألا أنتم رأيكم إيه؟ يمكن حد فيكم له رأي مختلف؟
وعلى طريقة مجلس الشعب، كانوا الطالبات الجالسين أمامي يهزون لي رأوسهم في إبتسام دلالة على الموافقة، وفي أقصى اليمين كانت طالبة ترفع صوتها وتقول لي إنها مش مقتنعة بكلامي وإن الناس إللي عايشين في البلد بيكون لهم ثقافة واحدة، فرحت أسألها:
-هو مثلا الناس إللي ساكنة في مصر الجديدة زي الناس إللي ساكنة في مدينة نصر؟
أكيد حتحسوا بإختلاف ، مصر الجديدة تعبر عن مصر الليبرالية، بس مدينة نصر مش كده، الناس فيها أميل إلى التحفظ،، مصر كانت زمان مختلفة بس لما جت التيارات الدينية لمصر من السبعينات المجتمع اتغير ، نسبة من الناس إللي ساكنين في مدينة نصر همه الناس إللي كانوا عايشين في الخليخ ورجعوا ، شوفوا طراز البالكونات في مصر الجديدة و البلكونات في مدينة نصر، حتحسوا إن فيه فرق.
والحقيقة إني مجرد ذكري للأخوان في معرض الكلام أثار ضحك الطلبة: "أيوة الأخوان"!
ورحت أعقب إني مش ضد الإخوان في حاجة ، بالعكس همه بيتعرضوا للإضطهاد و فيهم ناس كويسة.
ويبدو إني محظوظة في لخبطة الأفكار من حولي دائما! فقد جاءت لي بعد المحاضرة طالبة ترتدي الخمار وتقول لي في معرض الحديث إنها مش بتحب الأخوان!
وتماما كما تنظر للسماء و أنت تحاول أن تستشف إن كانت ستمطر أم لا، رحت أسألها في يأس، ليه؟ همه الأخوان بيعملوا إيه يعني؟
- الأخوان مش بيعملوا حاجة عشان الحكومة لّماهوم ، أنا أعرف ناس منهم كويس ، اتسجنوا وطلعوا من السجن ، واحد منهم قال لي إني لو كنت فضلت بره السجن، كنت حابهدل الدنيا، هو نفسه بيقول لي إنه ما كنش حافظ قرآن وما كنش يعرف حاجة عن الدين!
وفي الحقيقة (مرة أخرى!) إنها قالت كلام آخر عنهم لا أريد أن أذكره هنا، المؤكد إنها تركتني في حالة شديدة من الحيرة، ورحت أعارضها:
- بس ممكن يكون دول فكرهم وهابي ، فيه فرق ما بين الأخوان والناس إللي جايه من السعودية!
- لأ دول أخوان وبعدين أنا أبويا يعرف ناس منهم كويس.
وكسرطان البحر الذي يتقوقع على نفسه مع تلاطم الأمواج، بدأت ألملم حاجاتي سريعا وأتجه للعربية وأنا أريد أن أحتمي بها، وضعت المفتاح، وأنا أتصور نفسي في مشهد بانورامي أرى الطلبة من فوق وكأني أقود فور باي فور وليس ... ، اندفعت بالعربية و في طريق كلية التجارة، كنت ألوم نفسي "ما هو أصل إنت إللي جايباه لنفسك؟ مالك إنت ومال الإخوان؟ من أمتى يعني لك في السياسة؟ تعرفي تردي يا هانم! " ثم استدرت بالعربية وأنا أخرج من أسوار الجامعة تجاه الشارع الأكثر رحابة، ومع أول إشارة كنت أرفع بصري للسماء واتنهد "يارب أنا تعبت خلاص! ياعني ولا حسني نافع ولاجمال نافع! ولا حتى الأخوان؟" ورحت أتذكر المشهد الشهير لعبد السلام النابلسي "أبسطها يا باسط !" ، وبحركة تلقائية رحت أضع يدي على كتفي لأتأكد إن كانت حلة الملوخية لم تسقط بعد! من الآخر يعني أنا في إنتظار حلة الملوخية! ولا أبالغ إذا قلت إن مصر كلها في إنتظارها "افرجها بقى يا رب! لأجل حبيبك! افرجها بقى! "
اخترنا لكم...حنان في الريف و خلي السعادة عادة مع ميادة!
وحشتوني جدا أنا انهاردا في جو تمانيناتي جميل وباسمع هدى القمر لإيهاب توفيق والدنيا دندنة وباكتب لكم وأنا حاضنة البطانية عاوزة اشاركم حاجت...
-
لا أدري لم أتذكر هذا الموضوع الآن، ولم يلح عليّ وكأني شاهدت لتوي فيلم مأساوي تتواتر مشاهده الواحدة بعد الأخرى أمام عيني بالرغم مني! --------...
-
بما أن العبدة لله لازالت من مشاهدي البيت بيتك و متابعي قنوات النيل المتخصصة وكل القنوات المحلية الأخرى التي تحجب عنك كثيرا المية والنور، فنح...
-
انهمرت في نوبة من البكاء وأنا أتابع المشهد الأخير للملك فاروق، كانت حرارتي مرتفعة وكان ذلك المشهد لفاروق وهو يجلس في منفاة ويفتح الشبابيك يص...