واللا إيه النظام؟

ارتسمت على وجهي ابتسامة وأنا أقف ع باب بيتنا ألقي نظرة على التوقيعات التي أخذتها على كتاب التدوين الجماعي الصادر عن دار العين. للوهلة الأولى تذكرت مشهد في فيلم إمبراطورية ميم الذي يعلن فيه أبناء فاتن حمامة –بعد صراع طويل مع فكرة الديموقراطية ما لوش أي لازمة- إنهم في الآخر برضوا اختاروا مامتهم!

أقرأ التوقيعات ع مهل...ما كنتش متوقعة أشوفك إنهاردة واللا كنت متوقعة تكوني بالجمال والرقة دي... ادخل غرفتي و أنا أردد في سري.. ده أنت والله إللي رقيقة يا إنجي و عندما أنظر للمرآه أحاول تبين ملامح الرقة والجمال التي تقترن بغالبية التوقيعات على الكتب التي أمتلكها، طوال حياتي وأنا أرسم صورة للبنت الجميلة بأنها تلك المتعالية التي تمضي تتهادى ع الأرض و توزع جمالها يمين وشمال ع مخلوقات ربنا، وطبعا طبعا ترتدي لينسيس وتصبغ شعرها الذي يتطاير حول رأسها ككمبوشة هو الآخر! ولهذا لم أفقد الاندهاش بعد من أجد نفس الكلمات ع نسبة كبيرة من الكتب، بل أذكر إني ذات مرة كنت ذاهبة لتغطية معرض صور وعَرض عليّ صاحب المعرض أن يرسمني، وقال ساعتها إن الموضوع مش مسألة جمال بس، فيه روح كمان بتطغى على الإنسان ودا إللي بيحاول يجسده في الصورة.

لم يرسمني ، ولكني بصراحة زعلانة أني لا أجيد الرسم، أظن إن الرسم فعلا من الأشياء التي يمكنك أن تخلق من خلالها- زي ما صاحب المعرض قال- روح تتجسد في الصورة ، وحتى دلوقت وأنا باكتب أفكر كيف ستكون روح مكان زي حارة المعز مثلا، أو زي القاهرة الجديدة أو حتى إزاي ممكن تجسد رؤيتك لبني آدمين أنت بتحبهم أو زعلان منهم أو حتى زعلان عليهم، طب والواحد ساعتها حيعمل إيه في التناقضات إللي جواه تجاه ناس معينه وهو بيرسمهم، يعني مثلا إزاي تعبر بالرسم إن إنت قد إيه بتحب حد بس مختلف معاه، أو حتى إزاي تقول وأنت بترسم لوالدتك أو حبيبتك إنها غالية عليك بس أحيانا بتتضايق منها...يعني المشاعر المتلحبطة دي ممكن تطلع بالرسم ؟ واللا الرسمة ساعتها حتتحول لحاجة ملخبطة مالهاش معنى؟

موضوع حلمي بأني أرسم شوية حاجة غريبة لأني مش مثلا رسمي كويس أو عادي، لأ بشع، لدرجة إني لما أرسم حاجة مع بنات أخويا يعقدوا يسألوا ويستفسروا ويندهشوا و يتعجبوا...هو أنا رسمت إيه ده؟

طب وأنتم بقى إيه النظام، يعني عمر حد مثلا شاف نفسه مثلا وهو بيلعب بيانو أو عويم في البحر أو رسام وهو مالوش علاقة قوي بالحاجات دي، ده بيحصل أحيانا يعني؟ واللا أنا بس إللي غرائبية شوية الأيام دي؟

من القاهرة....إلى الفيوم!


1

أن تترك القاهرة وتعمل بالفيوم أشبه بمن يتزوج فتاة خجول تترك شعرها ينسدل على كتفها دون اكتراث و لا تضع على وجهها أية مساحيق.

هكذا كنت أحدث نفسي وأنا أوزع الشيكولاته على الكادر الخاص في جامعة الفيوم، وعلى وجهي إبتسامة خالصة.

"شوفتوا التليفزيون إمبارح! القاهرة كانت ولا باريس! "

"ياااااة" قلتها بداخلي و أنا أسأل نفسي
" يا سلام! باريس مرة واحدة! معقول يعني هو القاهرة كانت إمبارح حلوة كده وأنا مش واخدة بالي؟؟؟"

بالمناسبة نسيت أن أقول لكم إن ذلك كان في بداية العام الجديد، وهو ما جعلني أوزع الشيكولاته ع الموجودين بكل همة وضمير، وكلمة باريس ترن في أذني كلحن بعيد.

2

في الأيام التالية تعودت على الرحلة بكل ما فيها من مشقة ؛ في السابعة صباحا أكون داخل باص الجامعة ، وبجوار الشباك أجلس والبرد يتسلل إلي ، يلمس المنديل الأبيض سطح الزجاج فيصنع مساحة من الرؤية. أتابع الطريق وأنتظر تلك اللحظة حين نبتعد عن شارعي فيصل والهرم ، فلا ماكدونلز ولا بيتزا هات ولافول وفلافل، فقط الصحراء والغيطان دون رتوش و ألوان فاقعة.

"هو فيه في الفيوم إنترنت"؟
أسأل زميلتي التي تجلس بجواري:

إنترنت إيه ؟!! طبعا...وفيه كمان مكتبة إلكترونية...إنت بس روحي لدكتور وائل في كلية هندسة عشان يعمل لك يوزنيم وباسورد

وأنظر إلى الطريق و رأسي تميل يمينا ويسارا في تعجب...إنترنت ...مكتبة إلكترونية ...أحمدك يا رب..

3

في التاسعة أكون في الجامعة ، أقف تحت بقعة الشمس و أتأمل مباني الجامعة الجديدة كبيت عروس لم تلوثه بعد آثار السنين. وفي الداخل أبتسم لمئات اللحظات التي أظنها تُصنع فقط هنا: عصفور يقف على المروحة التي تبتعد عنك بأمتار و ينظر لك ويغرد ، وتندهش أنه اختار أن يبقى بالداخل مع إن هناك شباك مفتوح وبإمكانه أن يخرج، الدادا التي تجيئ لك بدورق مياة وكوب نظيف حتى دون أن تطلب منها ذلك ، الطالبة التي تقول لك في نهاية الإمتحان إنها نفسها تبقى زيك، وتقول لها إن شاء الله ، كخيط يصلك من الأرض إلى السماء، العربة التي تقف في إنتظارك لتحملك إلى مبني الكلية، حتى لا تمش أنت مسافة خمس دقائق، وراكب الدراجة خارج أسوار الجامعة الذي يرفع حسه ، يقول يا بلبل يا جميل...

4

في طريق العودة أكون منهكة القوى، أسدل الستائر، أحس بدفء الشمس و أضع رأسي ... أروح في النوم.. و في شارع الهرم، أكون قد استيقظت تماما بفعل الصدمات وأصوات الكلاكسات... وأتأمل ما حولي...فندق ثلاثة نجوم...محل برديات...كايرو مول...وإلى ميدان الجيزة يمتد السير...وشوش منهكة تقف في إنتظار أتوبيس لا يجيء...عربات ميكروباس تنادي على محافظات لم أزرها...طفل يبيع حزمة ليمون...و شاب يضع يده على كتف زميلته، وعربات الأمن المركزي تحوّط أبواب الجامعة

أودع السائق وأدخل عربتي كأنها البيت الذي سأجد فيه أمي وأبي بعد قليل..وأطير بها..ثم أقف طويلا...ويمر الوقت بطيئ ...بطيىء...و تلوح أحداث اليوم كلقطات لفيلم بالأبيض والأسود من أيام الستينات...واتذكر اليوم الأول...الشكولاته ...باريس..راكب الدراجة.. و على كلاكسات العربات، أدوس بنزين ودبرياج وأتوقف طويلا، وأمام عيني أراني أخرج من العربة ، أهز كتفي للكلاكسات و الشتائم التي أسمعها لمن مضت وتركت عربتها وسط الطريق
...

فرصة سعيدة

لفترة قريبة جدا لم أر في توقيع الكتب سوى حدث لطيف، ولكن بعد أن أصبح لدي كومة من الكتب عليها توقيعات مؤلفيها اختلف الأمر بعض الشيء.

أول توقيع آخذه على كتاب كان للمجموعة القصصية "ساق وحيدة" لحسن عبد الموجود في أخبار الأدب، بعدها ذهبت لدار ميريت لشراء روايته "عين القط" التي حصلت على جائزة فيما بعد.

باستثناء ذلك، حينما ذهبت لدار ميريت لعرض ما كتبت على الأستاذ محمد هاشم بعد ذلك التاريخ بشهور لم يكن لدي أية كتب تحمل توقيعا من مؤلفيها. ولازالت أذكر المرة الأولى التي أرى فيها مكتب الأستاذ محمد هاشم عن قرب ، بالأوراق والأغلفة المتناثرة عليه. المكان بدا لي في ذلك الوقت موحيا، بصورّه الزيتية على الحائط، بالستارة الزيتوني و الشباك الطويل ذي الفتحة التي تصل إلى السقف خلف مكتب الأستاذ محمد، وبدخان السجائر الذي يصعد أمام عينك متخللا صورة ستاند الكتب على جانبي المدخل وخلف الباب، أمام مرمى بصرك.

أول من قابلت هناك كان عم "أحمد فؤاد نجم" والأستاذ "حمدي جليل" و"أحمد العايدي" الذي أهداني روايته "أن تكون عباس العبد". أحمد العايدي هو أول من أبلغني بصدور مجموعتي القصصية "البلياتشو" في دار ميريت بعدها بعام ونصف وهو أول من أوقّع له مجموعتي القصصية "البلياتشو" وأنا في حالة امتنان، تلى ذلك توقيع لمحمد فاروق، وهو من تحمل معي ساعات أمام شاشة الكمبيوتر في ميريت قبل صدور المجموعة لإضافة فصلة هنا، أو تصويب خطأ لغوي هناك.

ولمن لم يجرب هذا الشعور بعد، فإن اللحظة التي تمسك فيها كتابك هي اللحظة التي تتعجب فيها أن الحياة بها شرور ، وتتأمل الشوارع في طريق عودتك وأنت ترى القاهرة جميلة، جميلة جدا لدرجة لا يمكنك تحملها.

منذ ذلك التاريخ إذن وعلى مدار عامين، أصبح لدي كتبا كثيرة ممهورة بتوقيع مؤلفيها.

بعض التوقيعات بدت لي عادية أول الأمر ثم زاد اعتزازي بها بعد قراءة الأعمال ذاتها كرواية "اليوم الثاني والعشرون" لمحمد علاء الدين، و"بابل مفتاح العالم" لنائل الطوخي و "فانيليلا" لطاهر الشرقاوي.
.
البعض الأخر بدا إنسانيا في صفة يبدو أنها تميز أصحابها كسهى زكي التي كتبت إهداء لمجموعتها القصصية "كان عندي طير" تذكرني فيه بأن اليوم عيد الحب، و طارق إمام الذي انهى توقيع روايته "شريعة القطة" برسم وجه له إبتسامة عريضة وتعلو رأسه ثلاث خطوط صغيرة.
.
إهداءات آخرى اعتز بها لاعتزازي بأصحابها -فوق كل شيء- كرواية الصديقة نهى محمود "الحكي فوق مكعبات الرخام" و ثلاث كتب لمحمد صلاح العزب آخرها رواية "سرير الرجل الإيطالي" وروايتي د.علاء الأسواني "عمارة يعقوبيان" و "شيكاغو". كذلك رواية "الساعات" لمترجمها د. احمد الشامي، و "ن" ل د.سحر الموجي، و"خيانة القاهرة" ل د. شيرين أبو النجا ، "وتغطية الإسلام" لمترجمه أ.د. محمد عناني، جميعهم أساتذتي في الجامعة
.
ثلاث توقيعات أخرى اختلفت في أسلوبها عن التوقيع التقليدي، كتوقيع باسم شرف لمجموعته المسرحية "جزمة واحدة مليئة بالأحداث"، و الذي تمنى لي أن يعيش كتابه معي مثلما عاش "البلياتشو" و "تامر عفيفي" لديوانه "أنسب الأوقات للخطيئة" الذي جاء توقيعه بيتا من الشعر، و عمر مصطفى لديوانه "أسباب وجيه للفرح" الذي تمنى لي فرحا خاليا من التحفظات.
.
كتاب واحد جاء مختلفا في نظام توقيعه إذ أن مؤلفه ترك مكانا على الصفحة الأولى لكتابة التوقيع ، وهو كتاب "المسحوق والأرض الصلبة" لإبراهيم عادل.
.
كتب أخرى لم تحن الفرصة لي لتوقيعها من مؤلفيها رغم اعتزازي بها أولها "تماثيل الملح" لمحمد كمال الحسن و ديوان "ولد خيبان" لسالم الشهباني و المجموعة القصصية "بجوار رجل أعرفه" لمحمد فتحي و "تحت خط الضحك" لمصطفى الحسيني، و ديوان "حنين" لأحمد عمار و "عالم كلينكس" لميشيل حنا، و"الهوبيت" لمترجمه هشام فهمي ، وفوق كل ذلك رواية "دماء أبوللو" لد.زين عبد الهادي ، و"واحة الغروب" للأستاذ بهاء طاهر، وكتابين لمترجمهما د.ضياء النجار "أدباء أحياء" و "أن تكون طبيبا لصدام".
.
وسط هذه الكتب أجد كتابا رفيعا يغلب غليه اللون البرتقالي، أحمله ، و أطيل النظر إلى صورة رجل المرور الواقف أمامي ..و أحدثه:
أنت ما تعرفش أنت بالنسبة لي إيه دلوقت...نورت القودة يا أستاذ

وأضرب بعيني فألمح كتبي وملابسي المبعثرة في الحجرة وابتسم:

لأ مش القودة بس...أنت نورت الدنيا بحالها...
وفي يدي أحمل ورقة كلينكس، أمررها على سطحه الذي لم يفقد بريقه بعد، أضعه في حرص على المكتب، و يعلو وجهي طيف ابتسامة.

دائرة


1

ارسم دائرة كبيرة، تضيق الدائرة وتضيق وابحث عن لحظة الخلاص، أمامي نهر و أشجار و طريق بكر لم تمسسه قدم غيري، إلى النهر أسير، أفك وثاق المركب، اتركه يسير بي و إلى الأفق أسرح وأنا أقول لنفسي إني أريد سحابة على هيئة قلب أو أخرى على صورة قمر.
2

على كتفك أضع رأسي ، أحكي لك كيف إن الخوف لم يستبد بي حين اقترب الغروب، أخذت أحرك المجدافين بقوة حتى وصلت إلى الشاطئ، إلى السقف أحملق،ابتسم وأنا اتقمص دور الفيلسوف الكبير، تعرف ... في لحظات الحياة والموت، تصبح الحياة كالأرض والموت كالقمر، وللأرض بالطبع جاذبية أكبر.

3

في قلب الصحراء، امتطي جوادا عربيا ، احس بالزهو حين تتداخل في أذني أصداء لعزف عود ، اوقف السير وأفكر، لو كنت في الماضي، لربما أصبحت أميرة تعيش في قصر كبير له حديقة غناء، وربما كنت جارية، أحفظ الشعر، وأجيد عزف العود، أعاود التحرك و أفكر... وهل يكون الأسر أحيانا أجدى من الحرية؟

4

أمام البيانو أجلس وأنا اطرد من ذهني أبياتا صوفية أحفظها، من روضة الأزهار التي حملت عبيرها، أحضرت لك زهرة،ولكنها ذبلت في الطريق، ولم يعد في يدي الآن سوى الشوكة التي شاكتني. اتوقف و أدرك عبث ما أفعل، لماذا لا أردد شيئا أكثر شهرة، ككلمات الحياة بلون الورد لإيدي بياف، ثم إن الشعر الصوفي انتهى عصره منذ قرون ولا أرى أي بادرة إنه سيعود.

5
على خشبة المسرح، أدق الأرض بقدمي، أذوب مع الموسيقى وأشير لك في دهشة إنها ليست زلعة واحدة ولا اثنين بل اربعين، وعلى جسدك سترفعني ، سنكون تدربنا على ذلك مرات ومرات، ولن ترتعش يداك ولا جسدي حين يقفا متصلبين حتى يصفق الجمهور، وأنا فعلا لا أفهم، لماذا يتباطئون أحيانا في التصفيق؟!


6
على السجادة المزكشة أجلس وعائشة ابنة أخي تفرك في عينها ، في حسم مصطنع أقول لها أنها العاشرة و حان ميعاد النوم. في تثاقل تنهض، وعبر ممر طويل آخذها لحجرتها، انتظر حتى تستسلم للنوم. اتجه للمطبخ لأعد كوبا من الشاي ، ولنفس المكان أعود، تهيم ورقة النعناع في الكوب، وأطيل النظر للأوراق و الأقلام المتابعدة.

اخترنا لكم...حنان في الريف و خلي السعادة عادة مع ميادة!

وحشتوني جدا   أنا انهاردا في جو تمانيناتي جميل وباسمع هدى القمر لإيهاب توفيق والدنيا دندنة وباكتب لكم وأنا حاضنة البطانية  عاوزة اشاركم حاجت...