البوسطجي

لم يكن يتوقع أن العنوان المكتوب على الجواب غير صحيح "554 زهراء مدينة نصر بجوار السنترال- القاهرة"، فبعد أن ذهب بدراجته بالقرب من المكان اكتشف أنه لا يوجد في هذا المكان عمارة بهذا الرقم، حتّى عندما سأل بعض المارّين عن الرقم وذهب معهم إلى أماكن بعيدة وتاه وسط العمارات والبيوت وبالقرب من المكان، لم يكن للعنوان أيّ أثر.
هو الذي يعمل في مصلحة البريد منذ ثلاث سنوات صادفه فيها أسماء شوارع وطرق لم يسمع بها من قبل ولم يتخيَّل أبداً أن تكون موجودة، لم يَتُهْ في عنوان، حتّى العناوين الناقصة التي ينسى أصحابها ذكر أسماء شوارعها بالتفصيل أو يخطئون في كتابتها، لم تكن أبداً مستعصية عليه. كان في السنوات الثلاث الماضية قد كوَّن بوصلة خاصة به يستطيع أن يهتدي بها ويعرف بواسطتها أين هو، ويعثر على الشارع والشخص الذي يحمل هو جوابه.
لكن محاولاته في البحث عن العنوان باءت بالفشل، حتّى عندما سأل كل من صادفه وكل طوب الأرض عن العنوان المكتوب على الجواب، لم يهتدِ إلى شيء، وعندما أخذ يجول في كل المربعات السكنية المجاورة لم يتوصل إلى شيء.
ولولا إحساسه بأهمية الجواب، لولا أنه يحمل طابعاً وعنواناً وشخصاً كتب هذا الجواب وشخصاً آخر في انتظاره، لولا أنه مُرسَل لامرأة قد تكون في انتظار كلمة من زوجها أو أبيها القابع الآن في البلاد البعيدة، لربما فتح الجواب عنوة وقرأ ما به وقطعه إرْبا، أو حتّى وضعه في أقرب صندوق بريد يقابله وكأنه هو الذي أخطأ في قراءة العنوان! لولا ذلك الضمير الحيّ الذي أصبح جزءاً منه وكأنه طابع بريد لُصِق على جواب وأصبح من الصعب أن يَنْزَعَه، لربما وضع الجواب دون اكتراث على حافة مقعد دراجته كي يسقط ويطير ويسقط بعدها من ذاكرته، وكأنه أبداً لم يكن له أيّ أثر...
لكنه كلما تذكر أن الجواب مرسل لامرأة وأنها لا بُدَّ في انتظاره هو وانتظار جوابه، كان شيء ما يبقيه على البحث... ربما أن الأب أو الزوج يجري وراء لقمة العيش في آخِر الدنيا، وربما لا يستطيع أن يحادث أسرته تليفونياً، ولهذا يرسل لهم جوابات، ولا بُدَّ أنه سيكتب شيئاً عن الأموال التي سيُرسلها وشيئاً عن الأشواق وشيئاً عن الأبناء...

وعاد ثانية إلى مربع العمارات بجوار السنترال -الشيء الوحيد الذي لا بُدّ أن يكون صحيحا في هذا العنوان- ووقف تائهاً وهو ينظر إلى العمارات الثلاث التي يقف أمامها وهو واثق من حَدْسِه أنّ سيدة ما في شقة ما في إحدى تلك العمارات لا بُدَّ أنها صاحبة هذا الجواب. لكن حدسه لم يستطِعْ أن يدله أيّ من تلك العمارات يطرق أبوابها، ولم يجد بوّاباً يسأله أو بقّالاً، أو حتّى شخصاً عابر سبيل يدلّه على عنوان خاطئ ويتوه معه من جديد...
حتّى عندما تملَّكه اليأس وأخذ يرفع بصره إلى أعلى وهو ينظر للبلكونات علّه يجد شخصاً ما يساعده في العنوان أو يدلّه على صاحبة الجواب أو حتّى طفلا سليط اللسان يشاكس الغادين والذاهبين في الشارع، كان لا يجد سوى قطع الغسيل المنشور الندِي، ويرى أكياس الثوم والبامية وهي تقف معلَّقة علي الجدران حتّى تجفّ...
ويئس من أن يعثر على صاحبة الجواب، وركب درّاجته وأخذ يسلك طريقه خارجاً من المربع السكنيّ المجاور للسنترال... لكن ما فاجأه هو ذلك الصوت البعيد الرفيع العَذْب الذي امتدّ إلى أذنه واخترق الشعور باليأس بداخله: "لو سمحت، من فضلك، إنتَ بِتْدَوَّرْ على حدّ؟". وعندما التفت ونظر إلى مصدر الصوت، كانت سيدة شابّة نحيفة حُلوة الملامح تقف في إحدى الشرفات المواجهة له. " أيوة يا سِتّي، ما تعرفيش زينب عبد الرحمن فين؟"، وبصوت عالٍ متلهّف قالت "أيوة أنا".
وعندما سلَّمها الجواب أخبرها وهو يرسُم على وجهه ملامح الجِدّ أنه ظل ما يزيد على الساعة يبحث عن العنوان. وحتّى عندما احمر وجه السيدة الشابة وأخذت تتشكّر له وتعتذر، وأخبرته أنها عزّلت هنا منذ فترة قليلة، وأن زوجها لا بُدَّ قد أخطأ في كتابة العنوان، كانت ملامح الامتعاض لا تزال ترتسم على وجهه وهو يخبرها بلهجة جادة أنّ على زوجها أن يكتب العنوان سليماً المرة القادمة.
وحين ركب دراجته وطار بها، كان الشعور بالارتياح يملأ قلبه بعد أن سلّم الجواب لصاحبته. وحين خرج من منطقة السنترال إلى الشوارع المتباعدة، كان يرتّب في ذهنه الأماكن التي سيذهب لها بعد ذلك. وامتدَّت يده تتحسس حقيبة البريد التي يضعها دائماً في المقعد الخلفي لدراجته، وتذكَّر السيدة "زينب" التي لا بُدَّ أنها تفتح جواب زوجها الآن. وطوال الطريق وهو يقطع الشوارع والطرق والبيوت، كان يفكر في الدنيا وأحوال الناس ويستغرب هذا الزوج ويفكّر جِدّيّاً في الأسباب والظروف التي قد تجعل أيَّ إنسان يترك زوجته الجميلة الشابة ذات الصوت العذب ويقدر على البُعد ويسافر...

البلياتشو

يا جماعة، يوم السبت القادم إن شاء الله حيتم مناقشة مجموعتي الأولى البلياتشو (الصادرة عن دار ميريت) في كافتريا المجلس الأعلى للثقافة من الساعة 6 ل7 ونصف ، وإللي حيناقشها جماعة "جلسة ثقافية" التابعة لدار ليلى
بالتحديد 3 قصص هي إللي حتتناقش: البوسطجي، فانوس رمضان، المباني الشاهقة.
كل إللي حيقرأ البوست ده، أهلا به بالطبع...ودعواتكم...
:)

تمثال رمسيس ...فل عليه

كنت حاعيط بجد و أنا باتفرج على زاهي حواس في التليفزيون وعلى وجهه إبتسامة بلاستيكية وهو بيقول: "بُصوا للتمثال ...تحس أنه بيبتسم وهو شايف أحفاده حواليه
أنا بجد مش عارفة العالم دي بيقدر تتكلم كده إزاي (بعيدا عن إنجازات زاهي حواس
العلمية)... وببساطة شديدة ، منظر التمثال بالنسبة لي كان مثير للشفقة، وأنا بالمصادفة ماشية مع أخويا بالعربية فوق كوبري 6 أكتوبر..البتاعة الحديد إللي مركبنهالو على رأسه كانت بجد بتحسسني أن التمثال ده غلبان..ده زي ما يكون عنده حراره وحاطينولوا كمادات
!
الحاجة إللي بتبعث ع الإعياء بجد هو منظر الناس إللي جابوهم في التلفزيون..إللي عمال يهتف يقول "مصر" (وكأننا مثلا عرفنا نحسن إنتاج القطن) و إللي بيقول ده "حدث عظيم" وألا المذيع (الأهبل) بتاع الراديو وهو بيقول بكل سماجة "رمسيس يمشي في موكبه وهو فخووور بأحفادة".
أنا مش فاهمه ولا قادرة اتصور أي فخر إللي بيتكلم عليه الأستاذ..ده رمسيس ده لو كان عايش ، أقل حاجة كان عملها أنه ...( ولا ملاوش لازمة) ، وبعدين إيه حالة الأفورة إللي الناس فيها دي..ليه دايما انفعالتنا مبالغ فيها...فضا مثلا؟ تخلف؟ تطبيل و نفاق؟ تغييب للوعي؟ مش لاقيه صفة واحدة الحقيقة...
الوضع بالنسبة لي مؤرف لدرجة أني بجد مش لاقيه كلام تاني أقوله
أنا بجد خايفة لتجيي لي العدوة دي قريب وخاليني بقه أقولكم ع الكلام إللي بجد..
يا جماعة نقل التمثال ده حدث أسطوري مهيب لا ينفصل عن دور مصر الريادي في المنطقة ..بجد بجد أحلى سلام لتمثال رمسيس وإللي نقلوا تمثال رمسيس والمجلس الأعلى للثقافة والمقاولين العرب و أنا وأنت و ما تنسوش الأحفاد..اما الميدان بقه طبعا بعد نقل التمثال حكاية تانية.....أقول إيه و لا إيه..؟ كله قشطة و فل عليه

حُلم

في ميدان طلعت حرب، أقف أنا الآن بجيبتي الخضراء المنقوشة وأحمل في يدي علم لبنان. ..ألوح به وأنا أقول وكأني أشجع الحضري في مباراة النهائي "بحبك…يا حسن".."بحبك يا حسن".

حين انظر إلى الأمام، أجد كوندي وبوبش و بيبو و عنعن وكل (المخلصين) يجلسون القرفصاء بجوار التمثال ، وعلى وجوههم الحسرة والإنكسار.

حين انظر إلى الخلف أجد ورائي جمهور من الأطفال يرتدون ملابس بسيطة لكنهم يجلسون في حلقات منتظمة ، بعضهم يقرض الشعر، البعض يلعب الشطرنج و البعض الآخر يجمع الزهور في أشكال بديعة.

تتغير الموسيقى لتفتج المجال لبعض الأشبال من عازفي العود، أستعذب الألحان ، اترك العلم لوهلة من يدي ، اتقدم للأمام وأجد نفسي واقفة أمام شخص – لا أتبين ملامحه جيدا الآن، يومأ برأسه لي ، يدنو بيده إلي ، ونندمج سويا في رقصة ذات خطوات واسعة...نلف سويا الميدان.

حين نصل إلى مكتبة مدبولي، أتوقف وأنا أشير إليه أن ينظر إلى الخلف، وحين يفعل ذلك، يجد – رجلا يرتدي ملابس متناسقة الألوان، يتكأ في جلسته و يقول " الإنترنت ليس بعبع و يجب على كل مسلم ..بل كل مصري.. أن يتعلم كيف يستخدمه"، ابتسم ..نلف الميدان ..ونعود مرة ثانية بجواره و أسمعه يقول " الإجتهاد فرض مثل الصلاة والصوم..الإسلام دعا إلى إعمال العقل..إنها فريضة على كل مسلم".

أكمل الرقص وأنا ابتسم وأرفع عيني إلى وجهه وادرك للوهلة الأولى أن ملامحه لا تخلو من وسامة…بل هو وسيم بالفعل…يصيبني هذا بالإرتباك … اعتذر..اتحجج بإني تعبت من الرقص و آثر الإنسحاب..

وحدي أمشي باتجاه طلعت حرب وشعور بالنشوة يتملكني من أن وسط البلد بهذا الجمال الذي لم أعهده عليها من قبل.. أعود للميدان، و أجد كوندي و بوش قد تركا مكانهما أسفل التمثال ، أبحث عنهما في الأفق علهما يكونا مختبئين هنا أو هناك ، لكني لا أرى لهما أي اثر..

أتنفس الصعداء و تنطبع أمامي صورة النيل ذات اللون الأزرق في الليل.. أستعذب المشهد و استغرق فيه..

ما كل هذا الإزعاج ؟ أصوات كلاكسات تخترق أذني بصريرها الممتد المزعج …انتبه …وبحركة تلقائية انظر إلى المرآة لأجد طابور من العربات يقف خلفي …على يميني و يساري أجد نهر النيل و اكتشف أني الآن على كوبري 6 أكتوبر ، قبل مَنزَل "إمبابة" مباشرة … أضعط بقدمي على الدبرياج والبنزين و تندفع السيارة.. أسير و أنا أحاول أن أهدأ من روعي … فالإشارة قد طالت كثيرا ومنظر النيل كان آخاذا وكان من الطبيعي جدا أن أسرح

The blind...

بحكم عملي، التقيت به العام الماضي في إمتحان القبول بقسم اللغة الإنجليزية و كان أول ما أذهلني هو ابتسامته الدائمة ، الساخرة في كثير من الأحيان وهو يطلب مني أن أكرر عليه السؤال، أو صبره الشديد حين يمسك بآلة تشبه المفك الصغير و ينقر الورق الأبيض الطويل كي يكتب السؤال الذي سمعه و بهدوء شديد، ودون أي توتر يجيب عليه.

ويبدو أنني محظوظة بالفعل، فقد التقيت به مرة أخرى في إمتحانات الترم الثاني و أخبرته إني أريده أن يساعدني: كنت حينئذ أكتب قصة جديدة وكان البطل الذي أفكر فيه ضرير. قلت له أني لم أستطع أن أكتب حرفا واحدا ، لأني فشلت في أن أعرف كيف يفكر الضرير. (كان بداخلي تساؤلات عديدة ولم أستطع أن أصرح بها: هل هو ناقم على الحياة مثلا؟ هل هو تعيس؟ ترى ماذا ستكون طموحاته وآماله وهو لا يرى من الدنيا سوى أطياف من اللون الأسود؟)

لكن "محمد" كان كريما معي ، و في خلال ساعة ونصف، أخذ يحدثني عن طريقة برايل، عن حالة اليأس التي انتابته ذات مرة وهو يحمل كتابا في يده و يتصور أنه يقرأه، وعن حلمه أن يحصل على "جيد جدا" هذا العام (وقد حصل عليها بالفعل).كنت أسمعه بإهتمام و اكتشفت لأول مرة أنه ليس ضريرا كما كنت اتصور: فهو مثقف ويقرأ كتبا في مجالات مختلفة و يسمع نشرات الأخبار بالإنجليزية ويحب فتاة تعرف عليها من المدرسة ، وفوق كل ذلك له إرادة حديدية تجعله يمر عبر مئات الصعوبات التي يواجهها و يستمر!

"ليس محمد هو الضرير إذن بل نحن!".. نعم ...أنا لست مبصره لأني كثيرا ما أركن للإحباط واليأس وأرى إنه لا أمل في أي شيء! وغيري ضرير لأنه يضيع وقته دون أن يقرأ أو يفكر. وأنت أيضا ضرير –مثلي- لأنك تقف تتفرج على كل ما يحدث ولا تحاول أن تنهض بمجتمعك حتى ولو بأفكار عبيطة (كأن تشتري كتبا من سور الأزبكية وتوزعها على الناس في محطات المترو وتطلب منهم أن يقرأوها).
علاقتي بمحمد لم تنته، و لم أكتب بعد القصة التي كنت أريد أن أكتبها ، و لا أشعر أني بحاجة لذلك ، كل ما أحتاج إليه بالفعل هو أن أكون كاملة الإبصار و أن أقف ضد حالة اللامباله واليأس التي تشدني إليها كل يوم، أن نكون كلنا رجالا ولو لمرة واحدة ..أن ننظر إلى عاهاتنا نحن..و ننهض...

سبعة أيام ما بين باربي وكين ...

منذ أن جاءت مريم و سلمى–بنات أخي- لقضاء أسبوع معنا وأنا أحس إني أشاهد فاصل كوميدي في مسرحية أريد به أن يطول ولا ينتهي...

فأنا البالغة العاقلة الرشيدة، تحولت بفضل قبلات سلمى و أحضان مريم إلى عازف بيانولا أو حتى بلياتشو يمكنه أن يلعب كل الألعاب طواعية وعن إختياره لبقاء محبيه في المسرح لأطول فترة ممكنة!!

ويومي منذ مجيئ مريم وسلمى اختلف عن أي يوم مضى. فأنا لم أعد أصحو على صفير الموبابيل ، بل على صوت مريم وسلمي اللتين لابد وحتما أجدهما معي في الغرفة حين أفتح عيني في العاشرة صباحا ومعهم عرائسهم و ألعابهم؛ ويبدو أن احتلال غرفتي في الصباح الباكر هي الطريقة التي اختارتها مريم وسلمى لكي يخبراني إنهما قد استيقظا بالفعل وأنه من الأفضل لي أن أصحو من تلقاء نفسي بدلا من أن يُضطرا هما لإستخدام طريقتهما الخاصة!!

ولأني شخص يحترم نفسه في الأساس ويحفظ ماء وجهه لأقصى درجة، فأني أقوم من السرير على الفور، لكن ذلك لا يحدث بالطبع بدون بعض المساومة من ناحيتي أكون بموجبها قد حصدت عشرات القبلات ، و تكون مقاومتي قد انهارت تماما و وهرب النوم من عيني! وعندما استيقظ، فأني غالبا ما أبدأ اليوم بحكاية ؛ الطريف أني أجلس قرابة النصف ساعة أقص الحكاية وبعد أن ندخل في "حلوة ولا ملتوتة؟" تتذكر سلمى أن هذه الحكاية لم تكن "سحرية" وهو ما يعني أني لابد أن أقص حكاية أخرى، تكون سحرية هذه المرة!!

إلا أن الضربة القاضية تأتيني من مريم وسلمى حين يبدآن في لعبتهما المفضلة "باربي" و "كين". والحقيقة أن "باربي" وحدها تستفزني بشكل كبير..فلباربي عدد من الفساتين يفوق ما امتلكته أنا طوال مراحلي العمرية المختلفة (حتى منذ أيام الحضانة حيث كان إرتداء الفساتين أمرا حتميا لابد منه!).

كما أن باربي ليست كأي فتاة عادية، فهي لا تذهب مثلا للجامعة أو للعمل ولا تختلط بالعامة من الشعب..هي تذهب "للأوبرا" ، ترتدي فستانها الواسع المنفوش وتذهب هناك لترقص مع زميلها "كين" الذي يحبها وهي أيضا تحبه. إلا إن حظ "كين" كان سيئا للغاية؛ فذات مرة وهو يرقص معها داس على قدمها دون أن يقصد وهو الأمر الذي أعتبرته باربي إهانة كبيرة لكرامتها وأنفصلا على الفور! (الرحمة يا رب).

لكن المياه لابد أن تعود لمجاريها، و بعد أقل من ربع ساعة (هو الزمن الذي ذهبت فيه للمطبخ لأعد لمريم وسلمى شاي باللبن) وجدت باربي وكين يجلسان سويا على الكنبة و بجوارهما أطفال من العرائس، استفزني المشهد ،وبادرت بالسؤال:
"مين دول يا مريم؟ "
"جاوبتني مريم وهي تطبطب على الطفل الرضيع: "دول ولاد باربي وكين
وضعت الشاي باللبن على الترابيزة وانفجرت من الضحك : "طب يا جماعة مش تستنوا عليهم شوية، دول يا دوبك متجوزين من مفيش ربع ساعة"!

----------------------------------------------------------
لكن الدنيا لا تكون كريمة دائما مع الجميع، فعلى العكس من "كين" المحظوظ الذي يحب باربي و تحبه، هناك التعيس "كين " (يشبه في الشكل كين الأول بالضبط) ؛ومشكلة "كين" أن والدته تريد أن تزوجه بأي شكل، و الحق أنه يفعل كل ما بوسعه لكي يرضيها، فهو لا يترك بابا لم يفتحه بحثا عن عروسه ، لكنه دائما ما يقابل بالرفض ويمشي مطرود من البيوت (مع إنه وسيم والله وشاكله ابن ناس!).

إلا أن الصبر جميل، فكين الغلبان هذا بعد أن يتعرض لتجربة فاشلة مع "وردة" التي أرادت والدته أن تزوجها له في البلد، يقرر أن يتمرد على هذا الوضع و ينجح أخيرا وينتهي به الحال مع حبيبته التي ألتقى بها في ظروف غير تقليدية (لا أتذكرها الآن) وأخيرا أخيرا يتحقق حلمه كما أراد.
--------------------------------
في المساء تكون حكايات باربي وكين قد استهلكت و نبدأ في ألعاب أخرى أكثر هدوءا مثل قرآة شعر "قطر الندى" أو تعلم الموسيقى...وربما تلعب مريم عليّ دور المُدرسّة، فأجلس على الترابيزة وأنا أقول لها ما تعلمت:
- الدرس بتاع إنهارده أسمه:
- السلم الموسيقي يا مريم
- السلم الموسيقي في كام مسافة ؟
- أرد في إستسلام : أربعة
- وكام خط؟
- خمسة يا مريم
وتنهي مريم الحصة وهي تعلن إنبهارها بي إني شاطرة وباتعلم بسرعة و بكره برده حيكون فيه درس تاني...!

وأزاء إعجابي بمريم وسلمى ، برغم أني أكون أحيانا على شفا الإنفجار، فأني كثيرا ما انهال عليهما بالزغزغات والقبلات...

-------------------------------------------


اليوم كان آخر يوم لمريم وسلمى معنا في البيت، فقد عادا إلى بيتهم مع والدهم ووالدتهم (أخي يعني وزوجته)، ولا أدري بالضبط كيف سيكون حالي حين افتح عيني في العاشرة صباحا ولا أجد مريم وسلمى في غرفتي ولا أي أحد من الفريق، لا باربي ولا كين ولا ياسمينا ولا فُلة حتى، فقط التليفزيون بمشاهده القميئة على الحرب في لبنان ومشاعر الإنكسار تحوم حولي، و يأتي الليل و أجلس في الصالة استمع لموسيقى عمر خيرت وتداهمني مشاعر فرحة، سرعان ما تخبو وأنا أتذكر أن العالم الذي نعيش فيه ليس عالم باربي وكين و أن قصص الحب فيه، نادرا جدا ما تكتمل


اخترنا لكم...حنان في الريف و خلي السعادة عادة مع ميادة!

وحشتوني جدا   أنا انهاردا في جو تمانيناتي جميل وباسمع هدى القمر لإيهاب توفيق والدنيا دندنة وباكتب لكم وأنا حاضنة البطانية  عاوزة اشاركم حاجت...