يا ناس يا عسل دردشة وصل!

أعرف مسبقا أنه ربما تكون فكرة سخيفة أن استعرض سريعا ما كتبته في مدونتي منذ أن بدأت الكتابة بها شهر يوليو الماضي وحتى الآن، فأنا لست في برنامج تليفزيوني مثلا استعرض لكم "حصااااد العام"، لكني أبدو مشدودة للفكرة بقوة غامضة كتلك التي تتلبسني حين تجيء لي فكرة قصة أو مقال، فمعلش بقى!

فالحقيقة أن مدونتي المتواضعة (واتكلم براحتك!) قد أسهمت بتدوين بعض الأحداث الهامة في حياتي الشخصية بل وتجاوزت ذلك بكثيير، فكانت هي مثلا الشيئ الذي ُيدخل على أخي مسحة من البهجة وهو في مستشفى عين شمس، ولا زلت أتذكر أخي وهو يضحك و أنا أقرأ له "سبعة أيام بين باربي وكين" ، كنت ما أكتبه وقتها حالة من فك الحصار على أخي التي كانت المحاليل وخراطيم العلاج تخترق جسده وروحه معا! حتى عندما خرج أخي من المستشفى، كنت أهديه تحفة أخرى "تمثال رمسيس قشطة عليه!" ؛ ليس من عادتي استخدام كلمات مثل "قشطة" و"صباحين وحتة!" لكن يبدو أن هذه الأشياء كانت حالة تعويضية لمشاعر الحزن التي كنت أعيشها بسبب مرض أخي، وبالمناسبة فقد يفسر ذلك لماذا يحب المصريون الهزار والنكت والمصطلحات الإفتكاسية، لأن تلك الأشياء وحدها هي المعين الأول- بعد الله سبحانه وتعالى- على الظلم والقهر وقلة الحيلة، وألا أنتم لكم رأي تاني؟!

وعلى الصعيد السياسي (جامدة الجملة مش كدة!) ، فقد ساعدتني المدونة على فك طلاسم عقدة قديمة عندي تجاة الأخوان ، ففي مقال "السم ولا الحبل؟" كنت بصراحة أعلن عدم ارتياحي للأخوان (السم) و اتحير من جمال مبارك (الحبل) ، والآن أعلن بجد وأنا مرتاحة الضمير أن السم أفضل بكثييييير من الحبل وأنه لو وقعت مصر في براثن الأخوان فإن ذلك سيكون أشرف لها من أن تقع في براثن من يعذبها ويهينها كل يوم! وإن كنت حتى لا أرى أن هذا الإحتمال سيتحقق!

وإذا ذهبنا إلى عالم الثقافة والجو ده، فإن هناك أشياء حدثت في عام 2006 أعتز بها ، مثل مقابلتي للأستاذ جمال البنا (العالم الجليل بالرغم من تصريحاته المدوية والمثيرة للجدل) مثل لقائي مع د.علاء الأسواني الذي يؤمن بي و يعطيني الأمل في الغد ، مثل احتفاء ندوة جلسة ثقافية "بالبلياتشو" ، مثل نجاح فرقة "جميزة" في الساقية، مثل إكتشافي البارحة أن خمس نسخ من البلياتشو قد تم بيعها من مكتبة ديوان! يا رب يا كريم!

بقى أن أقول أمنياتي للعام القادم، أن يكون أخي بخير، أن تتحقق دعوات والدتي لي كلها! وألا أغلق المدونة مهما حدث! فقد أصبحت بالنسبة لي أشبه بقارب صغير أحب أن أكون بداخله، أترك المجداف كي يسير كما يريد، أغلق عيني حين يزداد اتساع الأفق، وأحلم.

--------------------------------

"أبقوا معنا" بقى ! فمع "دردشة "............. مش حتقدر تبطل كلاااااام!

كل سنة وأنتم طيبيين ....

خالي بالك من عقلك!

الموضوع بدء على هذا النحو:كنت في محاضرة اللغة الإنجليزية وطلبت من الموجودين أن يتخيل كل واحد فيهم نفسه كاتب سيناريو ويقول لي المشاكل التي يحب أن يتناولها في الفيلم بتاعه. وبدء كل واحد فيهم يقول إللي في نفسه بدءا من الحديث عن الكائنات الغريبة التي تفد إلى الأرض مرورا بالحديث عن جرائم السرقة والقتل والبوليس، وكان الموضوع حيعدي على خير، لولا أن طالب رفع يده وطلب يتكلم ، ثم بدء الحديث عن الزواج، وأخذ يقول لي -باللغة الإنجليزية طبعا- إن الزواج الآن مشكلة كبيرة لا أحد يهتم بها وأنه يرى أن حل تلك المشكلة هو أن يتزوج الرجل من أكثر من واحدة!

كانت علامات التعجب قد بدأت ترتسم على وجههي بالفعل إلا إن باقي الطلبة والطالبات قد أصابتهم جميعا الصدمة لدرجة إنهم سابوهم من الإنجليزي خالص وابتدوا يتكلموا عربي:
- يا عم هو فيه حد لاقي يتجوز واحدة لما حيتجوز اتنين!
ثم فوجئت بطالبة تستدير وتوجه لزميلها الكلام في سخرية:
-
إنت أظاهر فاكر نفسك الحج متولي!
------------
ثم رحت أذكرهم - بالإنجليزية برضوا- أن كل واحد حر يعبر عن رأيه، وأنتم أحرار تقبلوا كلامه أو ترفضوه، على الأقل هنا حتى يكون فيه شوية حرية، بلاش كده!
وصمت الطلاب وأخذ الطالب يطرح وجهة نظره :
-
فيه ناس قادرين، ليه ما يتجوزوش أكثر من واحدة. يعني لو أنتم ليكم أخت عندها أربعين سنة، ليه ما تتجوزش واحد متجوز؟ أنا اتكلمت مع بنات كثير في الموضوع ده وهمه رافضين الفكرة من أساسها، مع أن ده ممكن يكون حل المشكلة.
--------------
وبنفس منطق "سعاد نصر" سيبولي أنا الطالعة دي، رحت أنظر إلى الطلبة الجالسين أمامي وأنا أنقل له وجهة النظر الأخرى:

- بس من ناحية تانية يا سامر، فيه رجاله كثيرعلى مشارف الأربعين ومش عايزين يا خدوا الخطوة دي. الموضوع كده مالوش علاقة بقى بإن الراجل يتجوز أكثر من واحدة. ده مش حل المشكلة! حل المشكلة الحقيقيى إن الأهالي ما ترهقش الناس بالمتطلبات . ورحت أقول له إنه لو راتبه 500 جنيه في الشهر وبيشتغل في حكومة، حيقضي من عمره سنين عشان يجيب شقة بس، يبقى إزاي الكلام بقى! (كل ده كان بالإنجليزي على فكره)!
-------------------
وللأمانة الشديدة، فإن ما أثر في فعلا هو لمحة الصدق في وجه سامر وهو يحاول أن يقنعني بوجهة نظره
-
يعني إزاي يا سامر أنت عايز المجتمع يوافق على فكرة زي دي، يعني أنت لو لك أخت يا أخي تقبل إن جوزها يتجوز عليها؟
وكان الرد صاعقا لي "أيوة" ثم أخذ يكمل إن في السعودية الرجال يتزوجون أكثر من واحدة وإنه عاش في السعودية عشر سنين. في نهاية المحاضرة، كانت طالبة أخرى تقول إنه فيه واحدة جابوها في التليفزيون وعاملة رابطة عشان تشجع الموضوع ده!
------------------
الموضوع كله كان يدعو للشفقة، ليس بسبب الفكرة وحدها ، بل لأني ألمح المد السعودي كل يوم الذي يأخذنا معه للخلف. وحين فكرت في الموضوع ثانية، هداني تفكيري إن المشكلة ليست في سامر، هو على الأقل بيفكر في حل، ولا في الأهالي ، وهو يعني وجود الشقة ليس مطلبا مشروعا؟! المشكلة الحقيقية والتي – نسيت أن أقولها لسامر- أن الحكومة بتاعتك كاتمة على أنفاسك، هي السبب في البطالة والعنوسة وكل ده، وهي إللي وصّلت شباب زي الفل في العشرينات لهذه الحالة المزرية من اليأس ، تبقى عايش وإنت ميت! !

أسألكم الفاتحة والنبي!

إذا كان فاروق حسني كل همه الزهرة الجميلة ، وإذا كانت الثورة فقط على تصريحات الوزير وكأن السرقة والنهب ليسا من الدين في شيء، إذا كان الواقع مأساويا هكذا ولا أمل، فلنعود إلى الماضي الرحب إذن. قف في ضريح السلطان المملوكي قيتباي و مرمغ عينيك في الزجاج الرقراق المتداخل الألوان، أو اخبط كفا بكف حين تسمع أن أجزاء من القمر تحمل أسماء عربية "كالمأمون" (الخليفة العباسي) و "آخر النهر" ، ولا ترفع حاجبك من الدهشة حين تسمع أن "ابن مقلة" الناشط السياسي الذي ابتدع خط النسخ تعلم أن يكتب بيده اليسرى بعد أن قطع الخليفة يده اليمنى ولسانه أيضا! ولا ترهق عقلك بالتفكير حين تسمع أن "ياقوت المستعصمي" (الخطاط الشهير) أخذ حبرا وقلما وعلى مأذنة الجامع، جلس ليخط آيات من القرآن الكريم، كي لا يضيع وقته في البكاء على بغداد التي تسقط في أيدي المغول (1258 م)! لا داعي أن تتعحب لكل هذا، وهل من عجب؟! فقط انظر إلى زجاج بيتك ، وإلى الناس والبيوت من حولك ، ثم ارفع بصرك إلى قبة السماء الرحبة ، قف لحظة حداد علينا و على ماضي "المحروسة" الجليل وأقرأ لها الفاتحة! بجد والله أسألكم الفاتحة!
المصدر: مقالات عن الفن الإسلامي لمحمد الرزاز

خبر حلو

كنت قد عرفت منذ عدة أيام أن قصتي الأولى "المظاهرة" التي كتبتها بعد "البلياتشو" قد فازت في مسابقة نجلاء محرم. صحيح إن الموضوع مافيهوش فلوس خالص. بس أنا بصراحة إنبسطت إنها فازت ، لأن القصة دي كانت حظها وحش مع النشر. كل ما أوديها في حته ما تتنشرش ..بس ربك بقى لما يريد. أهي الأمورة حتتنشر أهو وتطلع في كتاب و يتوزع ع النقاد والصحفيين ...و سلام كبير...
بعدها بيوم واحد ، جاء لي إيميل من صحفية سويسرية بتعمل شغل على كتابات النساء في مصر. اتقابلت معاها إنهارده وحسيت إني كبرت بجد عشر سنين قدام وهي بتسألني عن بدايتي في الكتابة وأتأثرت بمين، وأنا باحكيلها برضوا عن قصصي الأخيرة والبلياتشو. أتأثرت بسحر الموجي لما درست لي في الكلية، حبيت دارية و سحر ، بحب اكتشف تاريخ المسلمين عشان دي لحاجة إللي ممكن أفتخر بها دلوقتي، (وهو فيه حاجة تانية ؟) ، عايزة اتعلم بيانو ، واعرف أكثر عن المسلمين زمان، عن التاريخ القبطي والفرعوني، حاجات كثير...
مصر..لأ ..حتكون أحسن...فيه جيل طالع دلوقتي مش بيهموا حاجة... أنا عمري ما اشتركت في مظاهرة لأني مش هاستحمل الضرب والإهانة ..بس على الأقل باعبر عن رأيي في كتابتي...في جيل عايز يغير الواقع ومين عارف؟)

بين عالمين...

في أحيان كثيرة أشعر أني امتلك العالم، حين تكون أمي راضية عني وأمر عبر المرآة فاكتشف إن لوجهي ملامح جميلة، أو حين يتحقق الحلم، وأقف على المنصة في مدرج 203 ، أحمل الميكروفون في يدي و أقف أشرح مادة المقال ، أو حين تطبع عائشة ابنة أخي ذات الشبر والنص قبلة على خدي، فأصحو من النوم لأجدها تهرب من الغرفة، أو حين أكتشف أن شخصيات ظننتها قاسية وجافة تحمل داخلها دفئا لم اتخيله من قبل، كأن تقابلني مشرفتي على الماجستير في القسم ، فأجد ملامح وجهها المنهكة تضيء وأنا أحدثها ، وكأنها تستمع إلى ابنتها الحقيقية وليس مجرد طالبة...

وأحيانا أحس أني على باب الله، شخص خجول بالرغم من كل شيء، عائشة في موسكو و مريم وسلمى في ألمانيا، والميكروفون في يدي حائر بين نظرات الطلبة الهائمة و التوبك سينتس، والبارجرافز ، أتنهد ، فأجد الجالسين أمامي يشاركوني نفس الشعور ، "منة" تجيئ لي بعد المحاضرة وتقول إنها بتكسف ومش بتعرف تجاوب ، و"محمد" يجيء كي يحدثني في شيء لا أتذكره، أخرج من المدرج لأجد ولاد وبنات متصاحبين، يجلسون على الرصيف ، يحملقون في وكأني آتي من كوكب آخر، أركب العربة لأجد طالب "مهذب" قد تلكأ أمامي وهو يبتسم "أيوة ما تدوسيني"!

أعود للبيت لأجد أمي تصلي العصر، تتوقف لحظة عن التسبيح لكي تطمئن أني بخير، وتعاود التسبيح من جديد...أذهب الغرفتي و أتكعبل في الكتب و المجلات الملقاة على الأرض، ألقي نفسي على السرير وأنا أنظر إلى المساحة الخضراء الواسعة المواجهة لغرفتي، أحس بالملل ، و أقرر أن أذهب لحجرة والدتي، تكون قد أكملت هي الصلاة، ارتاح في حضنها ، وأحس أن الزمن توقف بي وأني في سلام مع كل شيء ، دقائق ويرن جرس الباب كصوت القطار لأجد أمامي والدي، تتهلل أساريره حينما يراني ، وأنا أيضا. أعدل من خطتي وبدلا من أن أذهب لحجرتي، أذهب للمطبخ وأنا أقرر أن أعد شاي للجميع. أقف أنتظر السخان كي يطلق صفارته.. أضع السكر في الكوبايات الزجاج و قلبي يموج بمشاعر كثيرة لا أفهمها وأصب الشاي...

الأيتام بين نظرية البي بي وبيت الزواحف !

كان اليوم الجمعة وكان موعدي في العاشرة والنصف أمام الباب الرئيسي لجنينة الحيوانات مع بعض الزملاء، في إنتظار أطفال دار البسمة، لكي نقضي معهم اليوم سويا. في الحادية عشر تقريبا كان 36 طفل وطفلة يدخلون الجنينة، والمشرفين يصيحون فيهم كي يمشوا في طابور بأدب و نظام. كنت بالفعل احتاج لكي أقضي يوم مع الأطفال وكان بداخلي شوق حقيقي لكي ندمج مع الأطفال ونلعب معهم! إلا أن هذا لم يحدث، فمشرفين الدار من أولها كان ما يهمهم التأكد من عدد الأطفال و لم يسمح لنا بأن نمسك أي طفل وأن نحدثه.
الوضع هكذا كان يبعث على الملل، إلا أنه بعد قليل من المشي من الجنينة وسط أقفاص الطيور ، و الدجاج وكل ما له علاقة بالطيران ، سمح لنا أن نقترب من الأطفال وأن يختار كل منا طفل أو طفلة لكي يصطحبه طوال الرحلة. وسط كل الأطفال الملتفين حولنا، أحببت "هيام" بتوكتها الخضراء اللامعة ووجهها البشوش. وفي ثوان، أمسكت هيام يدي وأصبحت أنا "والدتها"، فهكذا أطلق علينا المشرفين. الطريف أني أحسست بهذا الإحساس سريعا ، وكثيرا ما كنت آخذ "هيام" في يدي وأنا أريد أن أبتعد بها عن القيود و أقص لها الحكايات و أجعلها تسمعني الأغنيات، لكن للأسف لم يكن هناك فرصة.
بعد قليل أدركت أن كل أحلامي لكل أكون أما لهيام ولو لساعات قليلة باءت بالفشل. فكأي طفلة في الدنيا قالت لي هيام إنها عطشانة وعايزة تشرب. الطريف أني كنت أحمل في يدي اليسرى "كولمن" منذ بداية الرحلة ولكن لم يكن معي كوب للمياة، ولم أكن أحمل سوءا للنية حين ذهبت لإحدى المشرفات وقلت لها ببراءه إني أريد كوب فاضي عشان هيام.
والحقيقة أني ما أن قلت ذلك حتى خرج سيل من المدافع الممطوطة الممتدة من فم المشرفة التي كانت تدعى "مها":
لأ لأ مفيش شرب ولا أي حاجة هنا من غير أذني ! وبعدين يشربوا ويقولوا عايزين ببي ببي ! لأ لأ بعد أذنك!
لا أتذكر على وجه التحديد إن كانت قالت "بعد إذنك" من أصله، بس مش مهم خليها دي عشان خاطر البلوج وعشان صورة الواحد بس!
الطريف أن حكاية شرب الأطفال أصبحت نكته لدى المشرفة، فحتى قبل أن أستدير ومعي هيام ، كانت المشرفة تضحك ضحكات ممتالية مع زميل مشرف أيضا: " وبعد ما يشربوا يقولوا لي عايزين إيه ؟ ثم خبطت كفها بكف زميلها وهي تجيب : "البي بي ! "
حتى حين سمحت المشرفة للأطفال بشرب المياة، كانوا بقفون كلهم في دائرة وهي تقزف في أيديهم أكواب من البلاستيك، لا نزيد المياة بداخلها عن عشرة سنتيمتر ويمكن أقل.بصراحة أستاذة مها فاكرتني بأحداث أوليفر تويست (نفس القسوة يعني)
بالرغم من كل ده، ما كنش مستحيل إن إحنا نقضي وقت لطيف مع الأطفال، في بيت الزواحف كنت أحمل مادموزيل "هيام" على ركبتي كي ترى الزلاحف و الثعابين، أو حاولت أن أفعل ذلك في معظم الأحيان ، لأن الدنيا كانت زحمة و النفس مكتوم وبصراحة ما كنتش طايقة نفسي وما كنتش قادرة.
بالرغم من كل ده، لا يمكن أنسى ملامح الرضا على وشوش الأطفال وهمه قاعدين بياكلوا السندونشات كلهم في الجنينة، وقاعدين يتسامروا مع بعض! ولا نظرات "هيام" وهي بتقوللي "باي باي" ، وكل واحد فينا عارف للأسف إن اللعبة خلصت وكله لازم يروح مكانه وإنها ولا هي بنتي ولا أنا مامتها، الموضوع من أوله لآخرة لا يخلو من قسوة للأسف الشديد!


باقة الزهور ...


على الباب المغلق وقفت تحمل الزهور وتدق بضربات فرحة متتابعة عليه...طك طك طك..الصخب والضحكات الآتية من الداخل كان يوحي لها بإنه لابد بالداخل... لن تقول له شيئا، فقط ستعطيه الزهور التي اختارتها ورتبتها بعناية منذ الأمس، وتمضي...
لم يرد أحد. عاودت الدق من جديد ، ومسافة قبضتي قلب، فُتح الباب ودلفت للداخل تبحث عنه وسط أعداد البشر الغارقة في هيستريا الضحك...فتشت عنه جيدا وعادت سريعا إلى الخارج وهي تحكم قبضتها على باقة الزهور. نزلت أدراج سلالم البيت، و هي تطيل النظر للزهور الناعسة في باقتها. عبرت الشارع الممتد ثم أخذت تحادث نفسها:"الحمد لله إنه لم يكن موجودا. فربما أعطته الزهور ولم تعجبه". ثم رفعت الزهور إلى أعلى في مواجهة عينيها وأكملت: "وربما كان يستحق زهورا أكثر جمالا وبهاء من تلك الزهور التي أحملها".
سرحت قليلا وهي تنظر لمحل الورد البراق على ناصية الشارع، و بملامح رضا باهت تعلو وجهها أسلمت الزهور إلى بائعة الكلينكس العجوز التي تفترش الرصيف...التفت وأخذت تنفض الغبار الطيب الندي المترسب على يديها. ثم أكملت الطريق في صمت...

حفل الجميزة يوم السبت

يا جماعة يوم السبت القادم 4 نوفمبر، حفلة الجميزة في ساقية عبد المنعم الصاوي الساعة 8و نصف. الجميزة هي من ضمن الفرق المحترمة إللي بتحاول تقدم فن مختلف في وسط رتم غنائي متكرر و يزهـأ ، وفي وسط الإحباطات إللي بيواجها جيلنا طلعوا مجموعة الشباب دول ، عشان يعملوا حاجة مختلفة تستحق التقدير بجد...
أنا عرفت الجميزة عن طريق زميلي عمر مصطفى (إللي جالس في الصورة)، عمر مش بس إنسان جميل وشاعر وعازف عود متميز ، هو قدر يحقق حاجة كثير منا مش قادر يحققها ، إنك تؤمن بالحلم بتاعك و تكبر معاه، وزي ما الجميزة جذورها راسخة تحت الأرض وبتضلل للناس، أداء الفرقة دي بيحسسني بحنين غريب للماضي الرحب و بأمل في المستقبل...
ياريت كان البلوج بتاعي من البلوجات إللي بتكسر الدنيا عشان البوست بتاعي يكون مؤثر، بس دي الحاجة البسيطة إللي أقدر أقدمها ...وياريت تيجوا و تسمعوا بنفسكم...
(الصورة مأخوذة من موقع محمد علاء)

إيران !

كنت أتفرج على نشرة أخبار العاشرة وداهمتني تصريحات نجاد الأخيرة...في الماضي، كنت أرى أن الرئيس مبارك لا بأس به، وكنت أرى إن إيران "خانقة"، وكنت أدير محطة التليفزيون إذا ما جاءت سيرتها وكأنها مرض خبيث، لا أريد حتى أن أسمع أسمه!
تغيرت الصورة وأيقنت مؤخرا أن إيران هي القوة الوحيدة الباقية من الإمبراطورية الإسلامية، وإنه ليس من الشجاعة أن أحنق على شخص لأنه قوي (بالرغم من قيوده التي لا أستسيغها)، وأن أهاجمه لأني لا استطيع أن أكون مثله.
ثم اكتشفت بعد ذلك إني لست الوحيدة المعجبة بإيران.
إيران...إحنا فين وإيران فين يا بنتي! شوية يقولوا نقعد ونتفاوض ، وبعدين يصروا على برنامجهم النووي..بصي همه صحيح ماشيين على حد السيف ، بس عارفين همه بيعملوا إيه وبيلعبوها صح!
كانت هذه هي المرة الأولى التي أحادث فيها أخي الأكبر (القابع في البلاد البعيدة) في موضوع إيران والبلد وإلخ...أعجبني وقتها تعبير "حد السيف" ...
وأنا أشاهد نجاد اليوم، كنت أريد -دون مبالغة- أن أصفق لتصريحاته والتي قال فيها إن إيران هي الأخرى، ستعاقب الدول التي ستعاقبها ، وإن الدول الغربية لم تجن شيئا من احتلال أفغانستان والعراق! لا أدري، ساعتها تخيلت نجاد شخصا عاديا يقع في المأساة الأزلية في الصراع بين الفرد والمجتمع. همه مش بيقولوا بردوا (مجتمع دولي)؟ فالمجتمع دائما يريد لك شيئا ويحاول دائما أن يفرضه عليك و أنت أحيانا تريد شيئا آخر، وفي كثير من الأحيان بردوا تنصاع إلى المجتمع وتنحي نفسك جانبا! لكن إيران لا تنصاع و بتعمل كده على أسس!
طبعا تفسير الصراع بين الفرد والمجتمع واسع جدا، بس أكيد مش قاصدي طبعا إن الواحد يروح يعمل أي حاجة هو عايزها (وحط أمثله زي ما أنت عايز ) ويقول أنا كده مش بمشي مع القطيع، وأنا حر. أنا قصدي أنك تتمسك بإللي أنت مؤمن به، وتدرسه صح، حتى لو كان فيه قيود وأمريكا و مجتمع وكده..فاهمين قصدي يعني؟ وألا أيه النظام؟

مين! أبو كف رقيق وصغير!


هل يكون شيئا غريبا أن أحب بكار لهذا الحد وأن أحس بالوحدة لأن رمضان قد أوشك على الإنتهاء ولن يكون هناك بكار كل يوم بعد ذلك. صحيح إن بكار ليس بحلاوة أفلام الكرتون الأمريكية ، هو ليس بارع كسنو وايت ولا حتى مثير كليون كينج، لكني أحبه ولا أجد تفسيرا منطقيا لهذا الشعور الجامح تجاة شخصية كرتونية! في أول أبريل عام 2004 كنت في شارع الأهرام في المقابلة الشخصية للعمل في المجلة الإلكترونية بص وطل، وعندما سألوني لماذا تريدين العمل في المجلة قلت لهم إني أحلم أن تكون هناك مجلة تعرف الناس بشخصيات لا أحد يعرف عنها شيئا وذكرت أسم بكار. لم أكن أعرف حينئذ من الذي يقوم بتأليف بكار، عرفت بعدها أنه "عمرو سمير عاطف" وبعد شهرين من التحاقي بالمجلة، استطعت بعد جهد أن أحصل على رقم تليفون عمرو سمير عاطف ومخرج بكار شريف جمال صبري، كانت هذه هي المرة الأولى التي أحدث بها شخصا لا أعرفه بصفتي صحفية، للمرة الأولى في حياتي!
لا أتذكر تحديدا اليوم الذي أجريت فيه هذا اللقاء، ذهبت مع مريم ابنة أخي (6 سنوات) وتوجهنا سويا إلى كايرو كارتون بالقرب من مصر الجديدة ووسط عروسة بكار الكبيرة في مكتب شريف جمال ، ومرورا على مكتب به رسامي كرتون أجرينا أنا ومريم لقاء معه! في شهر أغسطس من نفس العام ، كان عمرو سمير عاطف هو أول شخصية لضيف في الصالون. صحيح أن الحوار ليس أجمل حوار في الدنيا وصحيح أني واجهت صعوبات في إعداده لأني كنت في بداية الطريق في الصحافة الإلكترونية، إلا أني اعتز بهذا الحوار، فعمرو سمير عاطف شخص يستحق التقدير بالفعل ، كما أني عرفت أشياء عن منى أو النصر زادت من تقديري لها (رحمها الله)، منها إنها أتت بالمعدات اللازمة على حسابها من أمريكا لكي يصبح بكار، أول كرتون صنع في مصر!
بعد مرور سنتين، 2006، أعترف أنه لم يعد بداخلي كل هذا الحماس تجاه بكار، فأنا على العكس من بكار الذي سيظل طفلا إلى الأبد، كبرت بعض الشيء وتغيرت اهتماماتي، ومن عمرو سمير عاطف في 2004 إلى محمد المخزنجي ومحمد هاشم و جمال البنا (الأخير أثار ضجة حين نشر في بص وطل) في 2006، لا أدري بالضبط ماذا حدث لي، أو ربما أعرف!
المهم، منذ يومين كانت المرة الأولي التي أشاهد فيها بكار على الإفطار ، و لم استطع أن أخفي إبتسامة واضحة المعالم على وجهي ، وأنا أرى مشرط (الشرير) يقول في حسرة و تعجب "مين أبو كف رقيق وصغير! هو أنت في كل مرة تطلع لي، ارحمني بقى"!
أكملت الطعام و تذكرت أول حوار لي مع "أبو كف صغير"، وأحسست بحاجة غريبة كده وكأني تحولت أنا الأخرى إلى لعبة أطفال، قطار صغير، بدأ منذ عامين السير في أرض مجهولة لم يطئها من قبل!
أتمنى أن نكون كلنا بخير رمضان القادم وأن أكون قد حققت الأشياء التي لم استطيع تحقيقها هذا العام، المهم أن أرى بكار العام القادم أيضا وأن يظل القطار يمشي بهدوء كعادته دائما، دون تعثر ودون أية خسائر..(أصلها مش ناقصة والنبي ! كفاية قطر الصعيد)
وكل سنة وأنتم طيبيين .....................................

!فتش عن الأسم

كنت أتحدث مع زميل لي عبر الهاتف وتطرق الحديث إلى الشهرة. كنت أقول له أن الشهرة أحيانا تعيق الإنسان عن الإختلاط بالناس ، فهو الآن كاتب معروف ، ومشهور. ويبدو أنني استفزيت زميلي بهذه المقولة، فوجدته يرد لي المقولة تماما مثلما يفعل لاعب البنج بونج حين تأتي لي الكرة.
-طب ما أنت كمان مشهورة؟
-لا يا راجل! تصدق ما كنتش واخدة بالي. لأ فعلا! أنا حتى بحس وأنا ماشية أن الشهرة بتحاصرني من ع اليمين وع الشمال!
- لأ . إحنا لو حطينا مقاييس للشهرة حتطلعي مشهورة! لو عملت سيرش في أسمك على جوجل حيطلع عنك حاجات!
سكت بعدها و انتقلنا بالحديث إلى موضوع آخر، وبعدها بأيام انتابتني نوبة من نوبات الإكتئاب وده شيء طبيعي لأن أنا أكيد أكيد في مصر!
الشيء الذي كان يضايقني وقتها هو( صدق أو لا تصدق) المدونات. فأنا منذ فترة وأنا اتصفح مدونات عديدة منها الجميل حقا الذي يدعو إلى الإعجاب وكنت أقول لنفسي أن طريقة كتابتي سواء هنا ، أو في البلياتشو (مجموعتي القصصية الأولى) تختلف عن كتابات عديدة أقرأها ، فأنا لا أتكلم عن أحزاني الخاصة بي مثلا ، ولست فمينست أصور المرأة الضحية التي تعاني من المجتمع الذكوري وسلطة الرجل. وليس معنى هذا طبعا أني لايوجد لي أحزان وليس معناه أيضا أننا لسنا في مجتمع ذكوري، لكن كل الموضوع أني شخص بسيط بداخلي ولذا ما جذبني حقا هو الحديث عن النماذج البيسطة التي لا يشغلها علاقة المرأة بالرجل وليست لها أحزان تبكيها ومع ذلك ليست سعيدة وتعيش في غربة دائمة.
ولهذا السبب فقد تملكتني حالة من الإكتئاب: فلابد أني سأعاني فعلا لأن ما اكتبه مختلفا عما يتوقع الناس وما يتصورونه عن الأدب، ولابد أني سأكون في الخمسينات من العمر حتى يعرف الناس أن شخصا ما يدعى "شيماء"يكتب وفي العام الستين سأكون محظوظة ويقرأ الناس ما أكتب أخيرا.ناهيك أني لم أعد أكتب من أصله الآن لأن صراعات دائما تتملكني ما بين المذاكرة والكتابة وبين العمل و الفلوس والتفرغ للكتابة، كل هذه الأشياء كانت تحبطني وتهزمني.
ولأن الموضوع كبر في دماغي، فقد امسكت فعلا بجهاز الكمبيوتروبدأت أبحث في جوجل عن أسمي، أعرف ما سأجد حتى قبل أن أبدأ البحث لكني مع ذلك أريد أن أكمل: وصلة لحوار جمال البنا الذي أجريته مع زميلي محمد هشام في بص وطل، مناقشة البلياتشو في ندوة د.علاء الأسواني، مناقشة كذلك مع سحر الموجي، مقالة كتبها زميل لي عن البلياتشو في موقع إسمه regzar: إنه عالم بص وطل إذن حيث عملت هناك، وبعض الأشياء القليلة التي أحفظها عن ظهر قلب. أعرف كل هذا صدقوني، حتى قبل أن أبدأ البحث!
وبدأت البحث بالفعل، ووجدت تلك الأشياء طبعا وجدت هذه الجملة التي لم أكن أعرف عنها شيئا من قبل "كانت المره دي مناقشه المجموعه القصصيه لاديبه الجميله شيماء زاهر (اسمها علي اسمي)".
والحقيقة أني أصبت بحالة من الإندهاش والفرح في آن واحد، فمن كتبت هذه الجملة لابد أنها حضرت مناقشة البلياتشو أما في الساقية أو في ندوة د.علاء أو في "جلسة ثقافية"! لا بد إذن أنها حضرت الندوة و أن شيئا ما إيجابي دفعها للكتابة عنها في مدونتها. يا ما أنت كريم يا رب!
الطريف هو أن هذه الوصلة بالذات كانت بها صعوبة للفتح إلا أني تمكنت أخيرا من الوصول إلى المدونة وقراءة ما بها. وبالفعل عرفت أن صاحبة هذه المندونة تدعى "شيماء" وأنها حضرت مناقشة البلياتشو في ندوة "الجلسة الثقافية" ويبدو أنها وجدت فيها ما يستحق أن تكتب عنه، حتى ولو كان سطرا واحدا وحتى ولو كانت لا تتحدث عن الندوة بشكل مباشر، الطريف أن عنوان البوست كان "فتش عن الأسم في جوجل"!
هذا هو البوست الذي كتبته:
النهارده كنت من الصبح في الاوبرا مع شويه بنوتات زي العسل هبقي احكي تفاصيل اليوم العسل دا بعدين لما يجي وقته
المهم كان بعد ما البنات مشيو جه معاد الجلسه الثقافيه اللي انا عضوه فيها قلت يالا احضر بقالي فتره محضرتش
كانت المره دي مناقشه المجموعه القصصيه لاديبه الجميله شيماء زاهر (اسمها علي اسمي) كانت الجلسه المره دي ظريفه والجو مكنش حررررررررر والحمد لله
واحنا ماشيين بقي لاقيت
محمود سراج بيقلي اييه مش انا امبارح وانا علي النت قلت العب شويه وعملت سيرش علي اسمك قلتله ها ولاقيت اييه
من قال إذن أني سأصل للخمسين قبل أن يعرفني أو يقرأ لي أحد ؟ من الذكي الذي قال ذلك؟
فهي لا تعرفني وأنا لا أعرفها ومع ذلك كتبت عني شيئا يدل على أن أحبت هذه الندوة بشكل عام ويبدو أنها أحبتني أيضا! أليس هذا فأل خير ومدعاة للهروب من الإحباط!
الطريف أني تعرفت من خلال هذه المدونة (http://shaima2.net/) عن مدونات لزملاء آخرين اعتز بكتابتهم مثل الأستاذ أحمد العايدي والأستاذ محمود سراج.
كانت هذه تجربتي مع جوجل وماذا عنك أنت، هل حدث وفتشت من قبل عن أسمك؟ ويا ترى ماذا وجدت؟ ............ ورمضان كريييم!!

هي كده !


ولا تحيا مصر ولا أجمل بلد في الكون
مجرد مكان بيجمعني ساعة لقى الأصحاب أو حتى ساعة حزن!
وكثير أبص لها وأنا جوايا كره
وأشتم وأبرطم وألعن لسابع جد..
وساعات الصبح بدري أسمع زقزقة عصافير
وأمشي أدندن وأقول يا محلاها
ولاقي طاقة نور طالعة وسط الضلام
وأقعد أغني وينفتح قلبي
وأسرح في نفسي وأحس إني كائن عجيب
ويبقى نفسي آخدها وأضمها في حضني
وبملئ كفي أطبطب على كتفها الواسع
تنزل دموعي وأقول لها ما تزعليش
سامحيني يا أمه..
ما أقصدش..
والله غصب عني
..

شباب يفرح القلب



شباب عادي جدا، ولاد وبنات، يضربون مثل الملايين "الجينز" و"التي شرت"، ولا يمكن أن تميزهم أول الأمر عن الآلاف من شباب هذا الجيل الذي يعاني من الفراغ قدر ما يواجه من إحباط. إلا أنك حين تنضم إليهم، تكتشف أنك أصبحت (بقدرة قادر) جزءا من كادر لصورة مبهجة تبعث على الأمل والثقة في الغد!
ويبدو أن الجماعة هي محاولة جادة للنهوض بالثقافة في مصر وهو ما يؤكد عليه "محمد الرزاز" الشاب المصري الذي قام بتأسيس هذه الجماعة
"كنت في زيارة لإنجلترا سنة 2002 ولفت انتباهي وجود الكثير من الجماعات الأدبية والمنتديات التي تنعقد لمناقشة الكتب وكل ما يتعلق بالثقافة. وعندما عدت إلى مصر، فكرت أن هذا ما ينقصنا وفي أغسطس من نفس العام قمت بتأسيس هذه الجماعة مع مجموعة من الأصدقاء المهتمين بالثقافة مثلي".
وعن لغز الثلاثة أحرف يستطرد "محمد":
"ترمز هذه الحروف إلى كلمة Pen temple pilots، فـPen هو القلم وهو أداة التعبير الفني وtemple هو المعبد الذي يرمز إلى أن الثقافة شيء مقدس تماما كالمعبد، وpilots هم الرواد وهو ما تهدف إليه الجماعة: أن ترتقي بالثقافة وعندما ترتقي بالثقافة، فإنك أيضا ترتقي بالسلوك".
وقد قامت جماعة PTP بتنظيم ما يزيد على 180 نشاطا، ما بين مناقشات لكتب، وجولات ميدانية وزيارات لمدن واستطاعت أن تستضيف الكثير من نجوم الثقافة في مصر أمثال د."علاء الأسواني"، و"بهاء طاهر" و"يوسف القعيد"؛ لتبادل الخبرات معهم ومناقشة أعمالهم. كل هذه الأنشطة مجانية بالطبع لأنها لا تحتاج لأموال لتنظيمها.
وتقول "أماني سعيد" التي اشتركت في الجماعة العام الماضي: "أنا شايفة إن الأنشطة دي وسيلة إيجابية لنشر الثقافة بيننا"، إلا أن "محمد الرزاز" مؤسس الجماعة يرى أن هناك المزيد:
"فيه حاجتين هنركز عليهم في المرحلة الجاية: أولا، الاهتمام باللغة العربية وتذوق الأدب العربي، وثانيا الاهتمام بالمهارات الشخصية وكيفية تطوير الذات. أما بالنسبة للجولات الميدانية، فاحنا بنخطط نستكشف أماكن ومدن أبعد".
وأخيرا فإن الجماعة قد اتخذت خطّا لها.. ألاّ تخوض في أي موضوعات دينية أو سياسية أو جنسية، فهي تهدف أولا وأخيرا إلى نشر الثقافة التي تلتزم الحياد وتنهض بالسلوك...
موقع الجماعة هو:
http://groups.yahoo.com/group/pen_temple_pilots
لا تتردد في الانضمام إليهم، فيكفي ما نحن فيه من يأس و بؤس ولا مبالاة و"الظلام يهزمه دائما نور شمعة"، ولاّ إيه؟
---------------------------

اختار موته...السم ولا الحبل؟


منذ أن نشرت جريدة الدستور منذ عدة أسابيع أنباء عن التعديل الوزاري الجديد والتي تقول فيه أن الستار سيرفع عما قريب لتعديل قانون يتم بمقتضاة توريث جمال مبارك الحكم، وأنا أفكر جديا في موضوع الأخوان بصفتهم السيناريو البديل للسيناريو الأول.

والحقيقة التي أأسف لها دائما أنه ليس لدي أي مشاعر إيجابية تجاه الأخوان.

صحيح أنهم تحملوا طيلة 50 عاما أو أكثر (منذ عام 1948) اضهاد الحكومات المتتالية بصفتهم طبعا أحد قوى المعارضة، إلا أني لا أقدرا أن اتعاطف معهم أبدا . و مشاعري لم تتولد بشكل فجائي مثلا ولم أستقيها من السماع أو التليفزيون، لكنها لها جذور منذ أن كنت طالبة في قسم اللغة الإنجليزية و استمرت بالطبع مع تعييني بالكلية.

فالسيناريو الشائع طوال أيام الجامعة هو أن يقوم طلاب الأخوان بدور فعال في تصوير الإمتحانات وكتابة المحاضرات و توزيعها على الطلبة.

وقبل محاضرات السيكشن، لابد أن تجد طالبا ملتحيا يضع ابتسامة الرضا على وجهه و يدخل السكشن بادءا طبعا في قراءة القرآن كي يصمت الجميع! ثم يبدأ في طرح مسابقات دينية ربما تتحول بعد ذلك إلى وعظ .

و في الماضي كان الشعور بعدم الإرتياح ينتابني تجاه الطريقة التي يتبعونها للوصول إلى الطلبة والتي أرى فيها إستغلال للدين و فرض أنفسهم على غيرهم، لكن الآن ما يضايقني بالفعل هو أن المدرجات تحولت إلى فصول للوعظ. فأنا أفهم أن يكون النادي الإجتماعي وسيلة مثلا لعقد مسابقات دينية أو رياضية أو ثقافية، لكن أن تتحول الجامعة إلى مركزا للوعظ، فهذا ما أراه غريبا بالفعل! ثم ماذا لو كنت لا أدين بالإسلام؟ من المحتمل جدا، إن لم يكن من المؤكد، أن الشعور بالكآبة سينطبع على وجهي و أنا أستمع إلى مواعظ دينية وأنا هنا لأتعلم وبس...

ناهيك عن الملصقات التي يلعقونها في طرقات القسم والتي لا تحث الناس إلا على العبادات، مع أنهم لو أرادوا صحوة و نهضة بالفعل ، فلا بد أن يركزوا على فرائض إسلامية لا تقل أهمية عن العبادات مثل "الصدق" و "الإخلاص في العمل" و "إعمال العقل "، وهذه هي بالفعل الأشياء التي أعتمدت عليها أوروبا في النهضة في نفس الوقت الذي دخلنا نحن فيه العصور الوسطى!

الأمر على هذا النحو يبدو سيئا لي وتزداد بشاعته وأنا أرى الناس في الشارع ترى الأخوان الأمل الوحيد. ومعهم حق، فهم على أرض الواقع القوة التي تقف في وش المدفع الآن و يتحملون الاعتقالات والاضهاد.

أنا لا أدري كيف سيكون الحال في المستقبل؟ هل الأخوان "عسل" مثلا و أنا مش واخده بالي؟ ثم ماذا لو كانوا "سم" بالفعل، ألأ يكون "الحبل" أفضل وأهي كلها موته والسلام؟ بجد أنا لم أعد أعرف شيئا ، فأنا لا أجد أي بارقة أمل...فالفساد قد يزاد مع جمال مبارك و النفاق و سطوة الدين قد يزداد مع مهدي عاكف. لم أعد أعرف شيئا، فلك أن تتخيل هذا الإحساس المثير للشفقة وأنت ترى الصور تختلط وتمر سريعا أمام عينيك و عقلك يغيب عن الوعي، وتُسلم روحك بعدها إلى حالة من الإغماء، الإغماء الأخير!

البوسطجي

لم يكن يتوقع أن العنوان المكتوب على الجواب غير صحيح "554 زهراء مدينة نصر بجوار السنترال- القاهرة"، فبعد أن ذهب بدراجته بالقرب من المكان اكتشف أنه لا يوجد في هذا المكان عمارة بهذا الرقم، حتّى عندما سأل بعض المارّين عن الرقم وذهب معهم إلى أماكن بعيدة وتاه وسط العمارات والبيوت وبالقرب من المكان، لم يكن للعنوان أيّ أثر.
هو الذي يعمل في مصلحة البريد منذ ثلاث سنوات صادفه فيها أسماء شوارع وطرق لم يسمع بها من قبل ولم يتخيَّل أبداً أن تكون موجودة، لم يَتُهْ في عنوان، حتّى العناوين الناقصة التي ينسى أصحابها ذكر أسماء شوارعها بالتفصيل أو يخطئون في كتابتها، لم تكن أبداً مستعصية عليه. كان في السنوات الثلاث الماضية قد كوَّن بوصلة خاصة به يستطيع أن يهتدي بها ويعرف بواسطتها أين هو، ويعثر على الشارع والشخص الذي يحمل هو جوابه.
لكن محاولاته في البحث عن العنوان باءت بالفشل، حتّى عندما سأل كل من صادفه وكل طوب الأرض عن العنوان المكتوب على الجواب، لم يهتدِ إلى شيء، وعندما أخذ يجول في كل المربعات السكنية المجاورة لم يتوصل إلى شيء.
ولولا إحساسه بأهمية الجواب، لولا أنه يحمل طابعاً وعنواناً وشخصاً كتب هذا الجواب وشخصاً آخر في انتظاره، لولا أنه مُرسَل لامرأة قد تكون في انتظار كلمة من زوجها أو أبيها القابع الآن في البلاد البعيدة، لربما فتح الجواب عنوة وقرأ ما به وقطعه إرْبا، أو حتّى وضعه في أقرب صندوق بريد يقابله وكأنه هو الذي أخطأ في قراءة العنوان! لولا ذلك الضمير الحيّ الذي أصبح جزءاً منه وكأنه طابع بريد لُصِق على جواب وأصبح من الصعب أن يَنْزَعَه، لربما وضع الجواب دون اكتراث على حافة مقعد دراجته كي يسقط ويطير ويسقط بعدها من ذاكرته، وكأنه أبداً لم يكن له أيّ أثر...
لكنه كلما تذكر أن الجواب مرسل لامرأة وأنها لا بُدَّ في انتظاره هو وانتظار جوابه، كان شيء ما يبقيه على البحث... ربما أن الأب أو الزوج يجري وراء لقمة العيش في آخِر الدنيا، وربما لا يستطيع أن يحادث أسرته تليفونياً، ولهذا يرسل لهم جوابات، ولا بُدَّ أنه سيكتب شيئاً عن الأموال التي سيُرسلها وشيئاً عن الأشواق وشيئاً عن الأبناء...

وعاد ثانية إلى مربع العمارات بجوار السنترال -الشيء الوحيد الذي لا بُدّ أن يكون صحيحا في هذا العنوان- ووقف تائهاً وهو ينظر إلى العمارات الثلاث التي يقف أمامها وهو واثق من حَدْسِه أنّ سيدة ما في شقة ما في إحدى تلك العمارات لا بُدَّ أنها صاحبة هذا الجواب. لكن حدسه لم يستطِعْ أن يدله أيّ من تلك العمارات يطرق أبوابها، ولم يجد بوّاباً يسأله أو بقّالاً، أو حتّى شخصاً عابر سبيل يدلّه على عنوان خاطئ ويتوه معه من جديد...
حتّى عندما تملَّكه اليأس وأخذ يرفع بصره إلى أعلى وهو ينظر للبلكونات علّه يجد شخصاً ما يساعده في العنوان أو يدلّه على صاحبة الجواب أو حتّى طفلا سليط اللسان يشاكس الغادين والذاهبين في الشارع، كان لا يجد سوى قطع الغسيل المنشور الندِي، ويرى أكياس الثوم والبامية وهي تقف معلَّقة علي الجدران حتّى تجفّ...
ويئس من أن يعثر على صاحبة الجواب، وركب درّاجته وأخذ يسلك طريقه خارجاً من المربع السكنيّ المجاور للسنترال... لكن ما فاجأه هو ذلك الصوت البعيد الرفيع العَذْب الذي امتدّ إلى أذنه واخترق الشعور باليأس بداخله: "لو سمحت، من فضلك، إنتَ بِتْدَوَّرْ على حدّ؟". وعندما التفت ونظر إلى مصدر الصوت، كانت سيدة شابّة نحيفة حُلوة الملامح تقف في إحدى الشرفات المواجهة له. " أيوة يا سِتّي، ما تعرفيش زينب عبد الرحمن فين؟"، وبصوت عالٍ متلهّف قالت "أيوة أنا".
وعندما سلَّمها الجواب أخبرها وهو يرسُم على وجهه ملامح الجِدّ أنه ظل ما يزيد على الساعة يبحث عن العنوان. وحتّى عندما احمر وجه السيدة الشابة وأخذت تتشكّر له وتعتذر، وأخبرته أنها عزّلت هنا منذ فترة قليلة، وأن زوجها لا بُدَّ قد أخطأ في كتابة العنوان، كانت ملامح الامتعاض لا تزال ترتسم على وجهه وهو يخبرها بلهجة جادة أنّ على زوجها أن يكتب العنوان سليماً المرة القادمة.
وحين ركب دراجته وطار بها، كان الشعور بالارتياح يملأ قلبه بعد أن سلّم الجواب لصاحبته. وحين خرج من منطقة السنترال إلى الشوارع المتباعدة، كان يرتّب في ذهنه الأماكن التي سيذهب لها بعد ذلك. وامتدَّت يده تتحسس حقيبة البريد التي يضعها دائماً في المقعد الخلفي لدراجته، وتذكَّر السيدة "زينب" التي لا بُدَّ أنها تفتح جواب زوجها الآن. وطوال الطريق وهو يقطع الشوارع والطرق والبيوت، كان يفكر في الدنيا وأحوال الناس ويستغرب هذا الزوج ويفكّر جِدّيّاً في الأسباب والظروف التي قد تجعل أيَّ إنسان يترك زوجته الجميلة الشابة ذات الصوت العذب ويقدر على البُعد ويسافر...

البلياتشو

يا جماعة، يوم السبت القادم إن شاء الله حيتم مناقشة مجموعتي الأولى البلياتشو (الصادرة عن دار ميريت) في كافتريا المجلس الأعلى للثقافة من الساعة 6 ل7 ونصف ، وإللي حيناقشها جماعة "جلسة ثقافية" التابعة لدار ليلى
بالتحديد 3 قصص هي إللي حتتناقش: البوسطجي، فانوس رمضان، المباني الشاهقة.
كل إللي حيقرأ البوست ده، أهلا به بالطبع...ودعواتكم...
:)

تمثال رمسيس ...فل عليه

كنت حاعيط بجد و أنا باتفرج على زاهي حواس في التليفزيون وعلى وجهه إبتسامة بلاستيكية وهو بيقول: "بُصوا للتمثال ...تحس أنه بيبتسم وهو شايف أحفاده حواليه
أنا بجد مش عارفة العالم دي بيقدر تتكلم كده إزاي (بعيدا عن إنجازات زاهي حواس
العلمية)... وببساطة شديدة ، منظر التمثال بالنسبة لي كان مثير للشفقة، وأنا بالمصادفة ماشية مع أخويا بالعربية فوق كوبري 6 أكتوبر..البتاعة الحديد إللي مركبنهالو على رأسه كانت بجد بتحسسني أن التمثال ده غلبان..ده زي ما يكون عنده حراره وحاطينولوا كمادات
!
الحاجة إللي بتبعث ع الإعياء بجد هو منظر الناس إللي جابوهم في التلفزيون..إللي عمال يهتف يقول "مصر" (وكأننا مثلا عرفنا نحسن إنتاج القطن) و إللي بيقول ده "حدث عظيم" وألا المذيع (الأهبل) بتاع الراديو وهو بيقول بكل سماجة "رمسيس يمشي في موكبه وهو فخووور بأحفادة".
أنا مش فاهمه ولا قادرة اتصور أي فخر إللي بيتكلم عليه الأستاذ..ده رمسيس ده لو كان عايش ، أقل حاجة كان عملها أنه ...( ولا ملاوش لازمة) ، وبعدين إيه حالة الأفورة إللي الناس فيها دي..ليه دايما انفعالتنا مبالغ فيها...فضا مثلا؟ تخلف؟ تطبيل و نفاق؟ تغييب للوعي؟ مش لاقيه صفة واحدة الحقيقة...
الوضع بالنسبة لي مؤرف لدرجة أني بجد مش لاقيه كلام تاني أقوله
أنا بجد خايفة لتجيي لي العدوة دي قريب وخاليني بقه أقولكم ع الكلام إللي بجد..
يا جماعة نقل التمثال ده حدث أسطوري مهيب لا ينفصل عن دور مصر الريادي في المنطقة ..بجد بجد أحلى سلام لتمثال رمسيس وإللي نقلوا تمثال رمسيس والمجلس الأعلى للثقافة والمقاولين العرب و أنا وأنت و ما تنسوش الأحفاد..اما الميدان بقه طبعا بعد نقل التمثال حكاية تانية.....أقول إيه و لا إيه..؟ كله قشطة و فل عليه

حُلم

في ميدان طلعت حرب، أقف أنا الآن بجيبتي الخضراء المنقوشة وأحمل في يدي علم لبنان. ..ألوح به وأنا أقول وكأني أشجع الحضري في مباراة النهائي "بحبك…يا حسن".."بحبك يا حسن".

حين انظر إلى الأمام، أجد كوندي وبوبش و بيبو و عنعن وكل (المخلصين) يجلسون القرفصاء بجوار التمثال ، وعلى وجوههم الحسرة والإنكسار.

حين انظر إلى الخلف أجد ورائي جمهور من الأطفال يرتدون ملابس بسيطة لكنهم يجلسون في حلقات منتظمة ، بعضهم يقرض الشعر، البعض يلعب الشطرنج و البعض الآخر يجمع الزهور في أشكال بديعة.

تتغير الموسيقى لتفتج المجال لبعض الأشبال من عازفي العود، أستعذب الألحان ، اترك العلم لوهلة من يدي ، اتقدم للأمام وأجد نفسي واقفة أمام شخص – لا أتبين ملامحه جيدا الآن، يومأ برأسه لي ، يدنو بيده إلي ، ونندمج سويا في رقصة ذات خطوات واسعة...نلف سويا الميدان.

حين نصل إلى مكتبة مدبولي، أتوقف وأنا أشير إليه أن ينظر إلى الخلف، وحين يفعل ذلك، يجد – رجلا يرتدي ملابس متناسقة الألوان، يتكأ في جلسته و يقول " الإنترنت ليس بعبع و يجب على كل مسلم ..بل كل مصري.. أن يتعلم كيف يستخدمه"، ابتسم ..نلف الميدان ..ونعود مرة ثانية بجواره و أسمعه يقول " الإجتهاد فرض مثل الصلاة والصوم..الإسلام دعا إلى إعمال العقل..إنها فريضة على كل مسلم".

أكمل الرقص وأنا ابتسم وأرفع عيني إلى وجهه وادرك للوهلة الأولى أن ملامحه لا تخلو من وسامة…بل هو وسيم بالفعل…يصيبني هذا بالإرتباك … اعتذر..اتحجج بإني تعبت من الرقص و آثر الإنسحاب..

وحدي أمشي باتجاه طلعت حرب وشعور بالنشوة يتملكني من أن وسط البلد بهذا الجمال الذي لم أعهده عليها من قبل.. أعود للميدان، و أجد كوندي و بوش قد تركا مكانهما أسفل التمثال ، أبحث عنهما في الأفق علهما يكونا مختبئين هنا أو هناك ، لكني لا أرى لهما أي اثر..

أتنفس الصعداء و تنطبع أمامي صورة النيل ذات اللون الأزرق في الليل.. أستعذب المشهد و استغرق فيه..

ما كل هذا الإزعاج ؟ أصوات كلاكسات تخترق أذني بصريرها الممتد المزعج …انتبه …وبحركة تلقائية انظر إلى المرآة لأجد طابور من العربات يقف خلفي …على يميني و يساري أجد نهر النيل و اكتشف أني الآن على كوبري 6 أكتوبر ، قبل مَنزَل "إمبابة" مباشرة … أضعط بقدمي على الدبرياج والبنزين و تندفع السيارة.. أسير و أنا أحاول أن أهدأ من روعي … فالإشارة قد طالت كثيرا ومنظر النيل كان آخاذا وكان من الطبيعي جدا أن أسرح

The blind...

بحكم عملي، التقيت به العام الماضي في إمتحان القبول بقسم اللغة الإنجليزية و كان أول ما أذهلني هو ابتسامته الدائمة ، الساخرة في كثير من الأحيان وهو يطلب مني أن أكرر عليه السؤال، أو صبره الشديد حين يمسك بآلة تشبه المفك الصغير و ينقر الورق الأبيض الطويل كي يكتب السؤال الذي سمعه و بهدوء شديد، ودون أي توتر يجيب عليه.

ويبدو أنني محظوظة بالفعل، فقد التقيت به مرة أخرى في إمتحانات الترم الثاني و أخبرته إني أريده أن يساعدني: كنت حينئذ أكتب قصة جديدة وكان البطل الذي أفكر فيه ضرير. قلت له أني لم أستطع أن أكتب حرفا واحدا ، لأني فشلت في أن أعرف كيف يفكر الضرير. (كان بداخلي تساؤلات عديدة ولم أستطع أن أصرح بها: هل هو ناقم على الحياة مثلا؟ هل هو تعيس؟ ترى ماذا ستكون طموحاته وآماله وهو لا يرى من الدنيا سوى أطياف من اللون الأسود؟)

لكن "محمد" كان كريما معي ، و في خلال ساعة ونصف، أخذ يحدثني عن طريقة برايل، عن حالة اليأس التي انتابته ذات مرة وهو يحمل كتابا في يده و يتصور أنه يقرأه، وعن حلمه أن يحصل على "جيد جدا" هذا العام (وقد حصل عليها بالفعل).كنت أسمعه بإهتمام و اكتشفت لأول مرة أنه ليس ضريرا كما كنت اتصور: فهو مثقف ويقرأ كتبا في مجالات مختلفة و يسمع نشرات الأخبار بالإنجليزية ويحب فتاة تعرف عليها من المدرسة ، وفوق كل ذلك له إرادة حديدية تجعله يمر عبر مئات الصعوبات التي يواجهها و يستمر!

"ليس محمد هو الضرير إذن بل نحن!".. نعم ...أنا لست مبصره لأني كثيرا ما أركن للإحباط واليأس وأرى إنه لا أمل في أي شيء! وغيري ضرير لأنه يضيع وقته دون أن يقرأ أو يفكر. وأنت أيضا ضرير –مثلي- لأنك تقف تتفرج على كل ما يحدث ولا تحاول أن تنهض بمجتمعك حتى ولو بأفكار عبيطة (كأن تشتري كتبا من سور الأزبكية وتوزعها على الناس في محطات المترو وتطلب منهم أن يقرأوها).
علاقتي بمحمد لم تنته، و لم أكتب بعد القصة التي كنت أريد أن أكتبها ، و لا أشعر أني بحاجة لذلك ، كل ما أحتاج إليه بالفعل هو أن أكون كاملة الإبصار و أن أقف ضد حالة اللامباله واليأس التي تشدني إليها كل يوم، أن نكون كلنا رجالا ولو لمرة واحدة ..أن ننظر إلى عاهاتنا نحن..و ننهض...

سبعة أيام ما بين باربي وكين ...

منذ أن جاءت مريم و سلمى–بنات أخي- لقضاء أسبوع معنا وأنا أحس إني أشاهد فاصل كوميدي في مسرحية أريد به أن يطول ولا ينتهي...

فأنا البالغة العاقلة الرشيدة، تحولت بفضل قبلات سلمى و أحضان مريم إلى عازف بيانولا أو حتى بلياتشو يمكنه أن يلعب كل الألعاب طواعية وعن إختياره لبقاء محبيه في المسرح لأطول فترة ممكنة!!

ويومي منذ مجيئ مريم وسلمى اختلف عن أي يوم مضى. فأنا لم أعد أصحو على صفير الموبابيل ، بل على صوت مريم وسلمي اللتين لابد وحتما أجدهما معي في الغرفة حين أفتح عيني في العاشرة صباحا ومعهم عرائسهم و ألعابهم؛ ويبدو أن احتلال غرفتي في الصباح الباكر هي الطريقة التي اختارتها مريم وسلمى لكي يخبراني إنهما قد استيقظا بالفعل وأنه من الأفضل لي أن أصحو من تلقاء نفسي بدلا من أن يُضطرا هما لإستخدام طريقتهما الخاصة!!

ولأني شخص يحترم نفسه في الأساس ويحفظ ماء وجهه لأقصى درجة، فأني أقوم من السرير على الفور، لكن ذلك لا يحدث بالطبع بدون بعض المساومة من ناحيتي أكون بموجبها قد حصدت عشرات القبلات ، و تكون مقاومتي قد انهارت تماما و وهرب النوم من عيني! وعندما استيقظ، فأني غالبا ما أبدأ اليوم بحكاية ؛ الطريف أني أجلس قرابة النصف ساعة أقص الحكاية وبعد أن ندخل في "حلوة ولا ملتوتة؟" تتذكر سلمى أن هذه الحكاية لم تكن "سحرية" وهو ما يعني أني لابد أن أقص حكاية أخرى، تكون سحرية هذه المرة!!

إلا أن الضربة القاضية تأتيني من مريم وسلمى حين يبدآن في لعبتهما المفضلة "باربي" و "كين". والحقيقة أن "باربي" وحدها تستفزني بشكل كبير..فلباربي عدد من الفساتين يفوق ما امتلكته أنا طوال مراحلي العمرية المختلفة (حتى منذ أيام الحضانة حيث كان إرتداء الفساتين أمرا حتميا لابد منه!).

كما أن باربي ليست كأي فتاة عادية، فهي لا تذهب مثلا للجامعة أو للعمل ولا تختلط بالعامة من الشعب..هي تذهب "للأوبرا" ، ترتدي فستانها الواسع المنفوش وتذهب هناك لترقص مع زميلها "كين" الذي يحبها وهي أيضا تحبه. إلا إن حظ "كين" كان سيئا للغاية؛ فذات مرة وهو يرقص معها داس على قدمها دون أن يقصد وهو الأمر الذي أعتبرته باربي إهانة كبيرة لكرامتها وأنفصلا على الفور! (الرحمة يا رب).

لكن المياه لابد أن تعود لمجاريها، و بعد أقل من ربع ساعة (هو الزمن الذي ذهبت فيه للمطبخ لأعد لمريم وسلمى شاي باللبن) وجدت باربي وكين يجلسان سويا على الكنبة و بجوارهما أطفال من العرائس، استفزني المشهد ،وبادرت بالسؤال:
"مين دول يا مريم؟ "
"جاوبتني مريم وهي تطبطب على الطفل الرضيع: "دول ولاد باربي وكين
وضعت الشاي باللبن على الترابيزة وانفجرت من الضحك : "طب يا جماعة مش تستنوا عليهم شوية، دول يا دوبك متجوزين من مفيش ربع ساعة"!

----------------------------------------------------------
لكن الدنيا لا تكون كريمة دائما مع الجميع، فعلى العكس من "كين" المحظوظ الذي يحب باربي و تحبه، هناك التعيس "كين " (يشبه في الشكل كين الأول بالضبط) ؛ومشكلة "كين" أن والدته تريد أن تزوجه بأي شكل، و الحق أنه يفعل كل ما بوسعه لكي يرضيها، فهو لا يترك بابا لم يفتحه بحثا عن عروسه ، لكنه دائما ما يقابل بالرفض ويمشي مطرود من البيوت (مع إنه وسيم والله وشاكله ابن ناس!).

إلا أن الصبر جميل، فكين الغلبان هذا بعد أن يتعرض لتجربة فاشلة مع "وردة" التي أرادت والدته أن تزوجها له في البلد، يقرر أن يتمرد على هذا الوضع و ينجح أخيرا وينتهي به الحال مع حبيبته التي ألتقى بها في ظروف غير تقليدية (لا أتذكرها الآن) وأخيرا أخيرا يتحقق حلمه كما أراد.
--------------------------------
في المساء تكون حكايات باربي وكين قد استهلكت و نبدأ في ألعاب أخرى أكثر هدوءا مثل قرآة شعر "قطر الندى" أو تعلم الموسيقى...وربما تلعب مريم عليّ دور المُدرسّة، فأجلس على الترابيزة وأنا أقول لها ما تعلمت:
- الدرس بتاع إنهارده أسمه:
- السلم الموسيقي يا مريم
- السلم الموسيقي في كام مسافة ؟
- أرد في إستسلام : أربعة
- وكام خط؟
- خمسة يا مريم
وتنهي مريم الحصة وهي تعلن إنبهارها بي إني شاطرة وباتعلم بسرعة و بكره برده حيكون فيه درس تاني...!

وأزاء إعجابي بمريم وسلمى ، برغم أني أكون أحيانا على شفا الإنفجار، فأني كثيرا ما انهال عليهما بالزغزغات والقبلات...

-------------------------------------------


اليوم كان آخر يوم لمريم وسلمى معنا في البيت، فقد عادا إلى بيتهم مع والدهم ووالدتهم (أخي يعني وزوجته)، ولا أدري بالضبط كيف سيكون حالي حين افتح عيني في العاشرة صباحا ولا أجد مريم وسلمى في غرفتي ولا أي أحد من الفريق، لا باربي ولا كين ولا ياسمينا ولا فُلة حتى، فقط التليفزيون بمشاهده القميئة على الحرب في لبنان ومشاعر الإنكسار تحوم حولي، و يأتي الليل و أجلس في الصالة استمع لموسيقى عمر خيرت وتداهمني مشاعر فرحة، سرعان ما تخبو وأنا أتذكر أن العالم الذي نعيش فيه ليس عالم باربي وكين و أن قصص الحب فيه، نادرا جدا ما تكتمل


مستشفى عين شمس...رايح جاي...!


طول عمري لم تكن لي علاقة ملموسة بالمستشفيات، بل كانت علاقة سطحية جدا، كأن أزور المسشتفي مرة في السنة لأي مرض عابر مثل ارتفاع الحرارة لدور برد أو ألم عابر في جسدي. ولم أكن أتصور أن علاقتي بالمستشفيات ستتوطد بهذا الحد، ويصبح دخولي المستشفى أمرا عاديا ويحدث بأريحية شديدة وكأني أذهب مثلا لبيت أحد أقربائي الذي اشعر بافتقاده لأني لم أره منذ مدة، أسبوع مثلا أو أسبوعين!!

ولم تكن زياراتي للمستشفيات بسبب مرضي أنا، بل بسبب مرض أخي الذي يكبرني تقريبا بعشر سنوات. ووليس أخي مجرد "أبيه ضياء" كما كنت أقول له وأنا صغيرة..بل هو بالنسبة لي نموذجا ناجحا أغير من ناجحه وأحاول دائما أن أقلده مهما فعلت! ففي الثانوية العامة، التحقت بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، لأكون إلى حد ما شبية له (كلية الألسن، لغة ألمانية) ، وفي الجامعة كنت اموت من المذاكرة و في نهاية العام أحرز تقدير "جيد جدا" لكي أكون متوفقه مثله. وبعد أربع سنوات من الكفاح تخرجت من الكلية و تم تعييني بها و أصبحت مدرسة في الجامعة، مثل أخي أيضا!

حتى الأشياء التي أحبها بالفعل (الكتابة) لم أفعلها لأني أريد ذلك، بل لكي أكون مثله. فعندما كنت صغيرة كان أخي يكتب بعض القصائد ويسمعها لي..صحيح أني لم أكن أفهم كل ما يقوله لكني كنت مبهورة به وتمنيت أن أصبح مثله. ولأن الشعر ليس من اهتماماتي فقد اتجهت إلى القصة! وبالفعل العام الماضي صدرت لي مجموعة قصصية وكنت أطير من الفرح وأنا أسلم أخي نسخته وعلى الكتاب إهداء مني أنا، من أخته الصغيرة إليه هو أخي الكبير…

لذا عندما دخل أخي المستشفى بشكل فجائي منذ ثلاثة أشهر، كان الأمر بالنسبة لي مروعا ليس لأن أخي مريض، فكلنا معرضون للمرض، بل لأنك تكتشف حين يلبس أحد من أفراد أسرتك الملابس البيضاء و يدخل إلى غرفة العمليات و يمنعك الدكاتره حتى من أن تتواجد بالجوار ، تدرك أنك ضعيف جدا و عاجز عن فعل أي شيء سوى أن تنزوي بعيدا و أنت تبحث عن فسحة في الفضاء، تمد بصرك إلى السماء ، و صوت بداخلك يعلو و تشعر به يصل إلى عنان السماء، تبكي بدخلك و تحس بطعم الملح في حلقك وتفيض المشاعر بداخلك ..و لا تدري ماذا تفعل...نرد بصرك أخيرا إلى الأرض وتكتشف أن سكينة وهدوء ما قد حط على قلبك، تتعجب، وتعود تنظر إلى السماء من جديد، ويقشعر جسدك من برد الليل ومناجاة ربك ...و تتكون دمعه حبيسة في عينيك و تتذكر أن الله قريب وإنه عظيم..أعظم مما كنت تتصور!

***************

و خرج أخي من المحنة...ومن المستشفى... ودخلها من جديد وبدأت أتعود على المستشفى بكل ما فيها من خطوط زرقاء وحمراء وصفراء وخضراء، وباتت زيارتي للمستشفى جزءا من عاداتي، مثل ذهابي للكلية مثلا ، أو حتى للمكتبة التي أقوم بالتدريس بها. وهناك قابلت أنواعا مختلفة من البشر و تعرفت على الوجه القاسي للحياة..صحيح إني لا أعيش في المريخ ولازلت أركب المواصلات العامة وأستطيع أن أتخيل صعوبة الحياة حين تقسو على الإنسان، لكني هناك وجدت الوجه الأكثر بشاعة للحياة إن جاز التعبير..أمراض لا حصر لها و مآسي إنسانية تتحول إلى ميلودراما حية كلما زاد الفقر والجهل وإذا كان الإنسان ابن ناس غلابة لا واسطة له ولاظهر يستند إليه حين يهاجمه العالم الطبقي الذي نعيش فيه ويقضم ظهره!

هذا هو الوجه القاسي للحياة الذي أصبحت أعرفه جيدا الآن، فأنا لازلت أذهب إلى المستشفى يوم بعد يوم تقريبا لكي أرافق أخي ...و في كل مرة أدخل فيها من المستشفى وأمشي عبر الممر الطويل ذات الخطوط البيضاء والزرقاء تملأني مشاعر ممزوجة بالشجن و الإستسلام والقبول...أحيي الحراس الذي بات وجهي معروفا مألوفا لهم...أصعد السلالم وأطرق الباب على غرفة أخي..يترقرق قلبي عندما أجده يدير بأصابعه محطة الراديو و انشعل بوالدتي التي ترافقه في الحجرة، يتوقف عن إدارة محطات الراديو.. يدعوني لكي أطبع قبلة على خده وهو يقول لي في سخريته المعتادة: "تعالي هنا يا بت يا إيمو...خلاص! أنت فاكرة نفسك كبرت ولا إيه.. " على الفور، أذهب لأطبع قبلة على خده الملظلظ...وترفرف وروحي... وابتسم

هدايا أطفال إسرائيل إلى الشعب اللبناني...!



جاءت هذه الصورة في مدونة يونانية تعرفت عليها وأنا أتصفح جريدة الجارديان البريطانية. ولا تعليق!!

بسم الله...

يمكن تكون خطوة متأخرة إني أعمل بلوج
but it is never too late anyways...

اخترنا لكم...حنان في الريف و خلي السعادة عادة مع ميادة!

وحشتوني جدا   أنا انهاردا في جو تمانيناتي جميل وباسمع هدى القمر لإيهاب توفيق والدنيا دندنة وباكتب لكم وأنا حاضنة البطانية  عاوزة اشاركم حاجت...