القصة بدأت على هذا النحو: كنت كلما تصفحت "الثقافة الجديدة"، يظهر أمامي ما يفيد بأن جائزة مسابقة الشهر كتاب ألف ليلة وليلة؛ فكرت في الاشتراك في المسابقة، لكني كنت اكتب في المجلة في ذلك الوقت، ولم ترق لي الفكرة. الدعوى لمصادرة ألف ليلة كانت تدفعني للحصول عليها. في ظهيرة ذات يوم، قررت أن أذهب لهيئة قصور الثقافة، أخذت العربية، سرت من منطقة الجامعة (حيث كنت أسكن) إلى كوبري الجامعة وشارع القصر العيني، وصلت إلى حديقة دار العلوم، الشارع كان مزدحما. تركت المفتاح للسايس، نزلت بسرعة دون ان أهتم بإغلاق الباب.
سيدات يغلقن المدخل، سيدة تنادي أسماء.. لوسمحتِ يا أستاذة، لوسمحتِ يا أستاذة.. مررت، على السلم سألت شاب عن الهيئة، صعدت الدرج، في السطح احترت أين أتجه، عبرت ممرا، ذكرني عبور الممرات بفيلم البريء، دخلت الكشك، خرجت منه وفي يدي كتابان، طوال الطريق إلى البيت، كنت ألوم نفسي.. كان لابد أن اعرف أن النسخ نفذت، على اعتبار أنها نزلت للجمهور من الأساس.
بعدها بأيام جاء إميل من السفارة الأمريكية يفيد بالموافقة النهائية على سفري من حكومة الولايات المتحدة. فكرت أني بحاجة إلى ملابس تعبر عن الثقافة التي أتيت منها، رحت كرداسة ذات مساء بصحبة والدتي، شفت جلاليب بديعة، أشكال وألوان، لكنني ترددت في الشراء، أنا لا ارتدي جلاليب، ولا أجدها فكرة صائبة أن أرتدي هناك شيئا لا أرتديه في بلدي.
ألف ليلة وليلة. تذكرت إني كنت قد لمحت بنطلون واسع (بأستك من تحت) في فترينة في محل في وسط البلد، بجوار "سينما ميامي" ، رحت هناك ولم أجد المحل، وقفت اتذكر إن كان المحل في شارع آخر، سألني رجل إن كنت تائهة، عاوزة الشارع إللي فيه محلات الهدوم، وسط البلد كلها محلات، أيوة أقصد الشارع إللي قريب من السينما، عبد الخالق ثروت؟ رفعت بصري إلى البيوت، آه. في كل محل، كنت أسال البائعة (اختصارا للوقت) عن بنطلون واسع، (بأستك من تحت) زي في "ألف ليلة". في شارع محمد فريد أحضرت لي البائعة شيئا شبيها، ساقان واسعان تنضمان عند القدم، تذكرت إني رأيته في متحف للسلاطين العثمانين، قلت لنفسي إنه أشبه بلبس الصيادين، تفحصت بعين خيالي زي راقصات البالية في عرض أوبرا "ألف ليلة" الذي حضرته منذ عامين، أعدته إليها.
مادمت لم أجده في وسط البلد، فلن أجده في مكان آخر. ظل وجهي على الفاترينات و المانيكانات التي تتحرك أمامي أصبحا جزءا من الديكور في عقلي، يا أخونا أنا فزت في مسابقة، والبنطلون ده مهم. لفت نظري مانيكان في محل، كانت ترتدي جيبة كاروه قصيرة، اليد اليسرى في وسطها، اليمنى مفرودة، كؤشر بصلة ناحية الشرق، تدير رأسها ناحية اليسار في تعالي
في البيت أذهلني منظر التسريحة، على المرآة خط أسود من قلم كحل، نقاط بلون روز تسيل على زجاجة كريم الأساس، "حلق" اشتريته من كرداسة يشتبك مع عقد من الخرز، "حلق" آخر لا أجد فردته، براية مكياج متسخة، رفعت العقد لأعلى، لو حدث لك شيء فلن أسامح نفسي، أنت هدية أبي لأمي من أيام الخطوبة، وضعت العقد في ظرف صغير وجدته أمامي، حاولت فض الاشتباك بين الأشياء على التسريحة، تأملت ملامح وجهي في المرآة، سأستكمل الرحلة غدا، من قلب ميدان التحرير، من قصر النيل.
أقف الآن أمام "هيومانا بيلدنج"، في زي ألف ليلة الذي اخترعته، جدران من الجرانيت عليها عمدان، على قمتها مشاعل، كما لو كنت في معبد، تنحدر المياة على الجدران، يباعد الصوت بيني وبين كلام الرجل الذي يشرح المبنى. اقتربت منه. في الدور التاسع والثلاثين، تميل العمدان أمامي، يصدق الإحساس بإني في معبد مصري قديم. يستلهم "مايكل جريفز" الهرم والمعبد من الحضارة المصرية.
في "سي 22" تستوقفني تماثيل لصبيان سمراء، لوحة لسيدتين عاريتين يمسكان بطفل عاري، تشكيل من المعدن يتدلى من السقف، مررت على شاشة، رأيتني بها، الكلمات تنزل بسرعة من أعلى إلى أسفل، إذا ما حركت ساعدي، تتحرك الكلمات ببطيء باتجاه راحة يدي، صرت أحملها في يدي كعصفور.
من حولي أشجار كثيفة، مستطيلات بيضاء تتبرز من الأرض، بين كل مستطيل وآخر مسافة ثابتة، تصنع المستطيلات دوائر كقوس قزح. نمر من البوابة، بين اللحد والآخر تماثيل لأطفال عارية ومثلات فرعونية. وقفت آخذ صورة. كنت أرتدي بلوزة وجينز. كان واضحا إني زهدت زي "ألف ليلة" الذي أخذت وقتا في مصر أبحث عنه. فلم ارتده هناك بعد ذلك. لا أعرف حقيقة السبب، و لا أجد فارقا كبيرا إن وجدت تفسيرا.
سيدات يغلقن المدخل، سيدة تنادي أسماء.. لوسمحتِ يا أستاذة، لوسمحتِ يا أستاذة.. مررت، على السلم سألت شاب عن الهيئة، صعدت الدرج، في السطح احترت أين أتجه، عبرت ممرا، ذكرني عبور الممرات بفيلم البريء، دخلت الكشك، خرجت منه وفي يدي كتابان، طوال الطريق إلى البيت، كنت ألوم نفسي.. كان لابد أن اعرف أن النسخ نفذت، على اعتبار أنها نزلت للجمهور من الأساس.
بعدها بأيام جاء إميل من السفارة الأمريكية يفيد بالموافقة النهائية على سفري من حكومة الولايات المتحدة. فكرت أني بحاجة إلى ملابس تعبر عن الثقافة التي أتيت منها، رحت كرداسة ذات مساء بصحبة والدتي، شفت جلاليب بديعة، أشكال وألوان، لكنني ترددت في الشراء، أنا لا ارتدي جلاليب، ولا أجدها فكرة صائبة أن أرتدي هناك شيئا لا أرتديه في بلدي.
ألف ليلة وليلة. تذكرت إني كنت قد لمحت بنطلون واسع (بأستك من تحت) في فترينة في محل في وسط البلد، بجوار "سينما ميامي" ، رحت هناك ولم أجد المحل، وقفت اتذكر إن كان المحل في شارع آخر، سألني رجل إن كنت تائهة، عاوزة الشارع إللي فيه محلات الهدوم، وسط البلد كلها محلات، أيوة أقصد الشارع إللي قريب من السينما، عبد الخالق ثروت؟ رفعت بصري إلى البيوت، آه. في كل محل، كنت أسال البائعة (اختصارا للوقت) عن بنطلون واسع، (بأستك من تحت) زي في "ألف ليلة". في شارع محمد فريد أحضرت لي البائعة شيئا شبيها، ساقان واسعان تنضمان عند القدم، تذكرت إني رأيته في متحف للسلاطين العثمانين، قلت لنفسي إنه أشبه بلبس الصيادين، تفحصت بعين خيالي زي راقصات البالية في عرض أوبرا "ألف ليلة" الذي حضرته منذ عامين، أعدته إليها.
مادمت لم أجده في وسط البلد، فلن أجده في مكان آخر. ظل وجهي على الفاترينات و المانيكانات التي تتحرك أمامي أصبحا جزءا من الديكور في عقلي، يا أخونا أنا فزت في مسابقة، والبنطلون ده مهم. لفت نظري مانيكان في محل، كانت ترتدي جيبة كاروه قصيرة، اليد اليسرى في وسطها، اليمنى مفرودة، كؤشر بصلة ناحية الشرق، تدير رأسها ناحية اليسار في تعالي
في البيت أذهلني منظر التسريحة، على المرآة خط أسود من قلم كحل، نقاط بلون روز تسيل على زجاجة كريم الأساس، "حلق" اشتريته من كرداسة يشتبك مع عقد من الخرز، "حلق" آخر لا أجد فردته، براية مكياج متسخة، رفعت العقد لأعلى، لو حدث لك شيء فلن أسامح نفسي، أنت هدية أبي لأمي من أيام الخطوبة، وضعت العقد في ظرف صغير وجدته أمامي، حاولت فض الاشتباك بين الأشياء على التسريحة، تأملت ملامح وجهي في المرآة، سأستكمل الرحلة غدا، من قلب ميدان التحرير، من قصر النيل.
أقف الآن أمام "هيومانا بيلدنج"، في زي ألف ليلة الذي اخترعته، جدران من الجرانيت عليها عمدان، على قمتها مشاعل، كما لو كنت في معبد، تنحدر المياة على الجدران، يباعد الصوت بيني وبين كلام الرجل الذي يشرح المبنى. اقتربت منه. في الدور التاسع والثلاثين، تميل العمدان أمامي، يصدق الإحساس بإني في معبد مصري قديم. يستلهم "مايكل جريفز" الهرم والمعبد من الحضارة المصرية.
في "سي 22" تستوقفني تماثيل لصبيان سمراء، لوحة لسيدتين عاريتين يمسكان بطفل عاري، تشكيل من المعدن يتدلى من السقف، مررت على شاشة، رأيتني بها، الكلمات تنزل بسرعة من أعلى إلى أسفل، إذا ما حركت ساعدي، تتحرك الكلمات ببطيء باتجاه راحة يدي، صرت أحملها في يدي كعصفور.
من حولي أشجار كثيفة، مستطيلات بيضاء تتبرز من الأرض، بين كل مستطيل وآخر مسافة ثابتة، تصنع المستطيلات دوائر كقوس قزح. نمر من البوابة، بين اللحد والآخر تماثيل لأطفال عارية ومثلات فرعونية. وقفت آخذ صورة. كنت أرتدي بلوزة وجينز. كان واضحا إني زهدت زي "ألف ليلة" الذي أخذت وقتا في مصر أبحث عنه. فلم ارتده هناك بعد ذلك. لا أعرف حقيقة السبب، و لا أجد فارقا كبيرا إن وجدت تفسيرا.