أظن إني تعرفت إليها في المرة الأولى التي ذهبت إلى نادي القصة، النادي يقع في عمارة بشارع القصر العيني، ذي طراز قديم تدركة ما أن تمر من بهو العمارة بالداخل، تصعد السلالم إلى شقة ذي سقف عالي وكرسيين فوتيه جلد في المدخل، كنت ذاهبة لحضور ندوة للأستاذ يوسف الشاروني، وأخذت أتأمل السيدة الأنيقة التي تجلس أمامي بجوارها فتاة صغيرة في زي المدرسة، عرفت إنها ناقدة و إن الفتاة بجوارها ليلى ابنتها، تعاطفت على نحو ما مع ليلى، عيناها الناعستان، الشراب الأبيض، شنطة المدرسة على الأرض، ابتسمت للسيدة وأنا لا أصدق إن الفتاة الصغيرة ستجلس في القاعة بعد دقائق لتستمع إلى نقد أدبي لا أعلم كيف سيكون، على اعتبار إن بعض الندوات الأدبية تكون أحيانا اختبارا لقدرة المتلقي على الصبر، وعلى فهم اللغة العربية، وكفارة عن ذنوب صغيرة لم تكن تدرك ربما إنك تفعلها، عدت في كرسيّ بالخلف، سرحت في الزجاج الذي يفصل القاعة الداخلية عن المدخل، فكرت أن أقطع على ليلى صمتها وأحكي معها.
لم أر ليلى مرة ثانية، لكن توالت رؤيتي لدكتورة عزة بدر؛ حين عدت إلى البيت ذات مرة أخبرتني والدتي إنها اتصلت بخصوص ندوة في المجلس الأعلى للثقافة، اتصلت بها وفهمت إن المطلوب مني أن ألقي قصة كفقرة ضمن فقرات أخرى من الشعر والموسيقى والسينما، بصحبة والدتي ذهبت، أحبها أن تراني في تلك اللحظات التي تحس فيها بأن ابنتها "العنيدة"، هكذا تقول وهي تبتسم في بعض الأحيان، تحقق نجاحا على نحو ما، قرأت القصة، انتهيت منها، داريت خجلا ما يصيبني بعد مواجهة الجمهور في إعادة ترتيب الأوراق، نسيت أن أمرّ على وجه والدتي لالتقط عبر البث المباشر تعبيرات وجهها، في البيت قالت إني كنت "ممتازة" ، انسحبت إلى غرفتي وأنا أفكر إن كانت على أي حال ستقول شيئا آخر.
حين عدت من رحلة سياحية إلى تركيا الصيف الماضي، كان أول شيء تقوله لي والدتي إن دكتورة عزة بدر اتصلت وإنها كانت تريدني في شيء ما، قالت لها إني مسافرة، أخبرتني والدتي إنها أحبت الحديث معها ، في العربية في طريق العودة من المطار، كانت عائشة ابنة أخي تجلس بجواري بفستان أبيض منفوش، و تربت على يدي بين الحين والآخر، أخذت أنظر للزهور التي أحضرتها لي، تابعت العساكر بالساتر البرتقالي ، أحسست إني كنت افتقدهم و كنت مشغولة برؤية ملامح القاهرة التي بدت لي عجائبية، في أسى قالت لي والدتي إني أبدو غير مهتمة برؤيتها بعد غياب دام لسبعة أيام، وإن عليّ أن اسأل أخي كيف كان حالها في أول يوم بعد سفري، وإنها افتقدتني، لم اعرف كيف أرد، كان الأمر سيستغرق بعض الوقت كي أفهمها، كأني كنت في مركبة فضائية، ولم اعتد بعد على إن حركة صغيرة لن تأخذني أبعد منها. في البيت حكيت لأمي عن اسطنبول التي كانت قد زارتها ، ابتسمت طويلا وهي تحكي لي عن أشياء لم ألمحها هناك، لم تعد موجودة تلك الأشياء يا أمي، يا ست الكل.
قبل سفري إلى الحجاز مع أمي وأبي، كان آول من اتصل به دكتورة عزة بدر، في التليفون كانت تحكي لي عن مكة، عن الحج ، وعن المشقة، تعلق قلبي بالكعبة أول ما وقعت عليها عيناي، بجواري وقفت أمي تردد الله أكبر، أمسكت يدها وأنا سعيدة إني دعوت الله في ذات اللحظة التي امتد بصري للكعبة، كانت هذه النصيحة التي سمعتها من كثيرين، في النظرة الأولى للكعبة دعوة لا ترد، ولازلت أرجو الله أن يجيب لهذه الدعوة بالذات، أرجوه بشدة.
بعد شهر تقريبا، كنت أجهز لكتابة قصة ألقيها في المجلس الأعلى، القصة استمتدها من زيارتي لأسطنبول، لكني بدلا من الذهاب إلى المجلس بقدمين سليمين، كنت أذهب إلى المجلس بقدم يكسوها الجبس وبعكاز، مريم وسلمى بنات أخي كانتا بجواري، في حالة من عدم الفهم عما يجري حولهم، إلى البيت عدنا بهما شبة نائمتين، تذكرت المرة الأولى التي رأيت فيها ليلى.
أمام الكمبيوتر أجلس الآن وأمامي ديوان لعزة بدر، كنت أنوي أن أكتب عنه، لكن الحال انتهى إلى الكتابة عن والدتي، وعنها ، ومع ذلك انهي التدوينة بقصيدة من الديوان بعنوان "مواقيت"، تحمل تساؤلا نمر به أحيانا، ربما كثيرا:
يارب
يارب في هذا الوقت من اليوم
في هذا الوقت من العام
في هذا الوقت من العمر
لأمر على الدنيا
وكما لو كنت سحابات
أو بعض غمام
يارب
في هذا المسبح
لتسّبح في النهر
ذرات رمال
تمتد جبالا من وهم
من خوف ظنوني
وتراني
سبحت بحمدك
وبما هو لك
من تاج جمالك
من روح كمالك
وتراني
في هذا الوقت من اليوم
في هذا الوقت من العام
في هذا الوقت من العمر
ومن الأحلام!
ككلام طيب
أبقى جذرا في الأرض
وكريح رخاء
كسلام في الناس
ومسرة
أم أن القلب
في عمق البحر
زبد
وبكاء للريح؟!
من ديوان "يا حب" د. عزة بدر كتاب الجمهورية-2008
لم أر ليلى مرة ثانية، لكن توالت رؤيتي لدكتورة عزة بدر؛ حين عدت إلى البيت ذات مرة أخبرتني والدتي إنها اتصلت بخصوص ندوة في المجلس الأعلى للثقافة، اتصلت بها وفهمت إن المطلوب مني أن ألقي قصة كفقرة ضمن فقرات أخرى من الشعر والموسيقى والسينما، بصحبة والدتي ذهبت، أحبها أن تراني في تلك اللحظات التي تحس فيها بأن ابنتها "العنيدة"، هكذا تقول وهي تبتسم في بعض الأحيان، تحقق نجاحا على نحو ما، قرأت القصة، انتهيت منها، داريت خجلا ما يصيبني بعد مواجهة الجمهور في إعادة ترتيب الأوراق، نسيت أن أمرّ على وجه والدتي لالتقط عبر البث المباشر تعبيرات وجهها، في البيت قالت إني كنت "ممتازة" ، انسحبت إلى غرفتي وأنا أفكر إن كانت على أي حال ستقول شيئا آخر.
حين عدت من رحلة سياحية إلى تركيا الصيف الماضي، كان أول شيء تقوله لي والدتي إن دكتورة عزة بدر اتصلت وإنها كانت تريدني في شيء ما، قالت لها إني مسافرة، أخبرتني والدتي إنها أحبت الحديث معها ، في العربية في طريق العودة من المطار، كانت عائشة ابنة أخي تجلس بجواري بفستان أبيض منفوش، و تربت على يدي بين الحين والآخر، أخذت أنظر للزهور التي أحضرتها لي، تابعت العساكر بالساتر البرتقالي ، أحسست إني كنت افتقدهم و كنت مشغولة برؤية ملامح القاهرة التي بدت لي عجائبية، في أسى قالت لي والدتي إني أبدو غير مهتمة برؤيتها بعد غياب دام لسبعة أيام، وإن عليّ أن اسأل أخي كيف كان حالها في أول يوم بعد سفري، وإنها افتقدتني، لم اعرف كيف أرد، كان الأمر سيستغرق بعض الوقت كي أفهمها، كأني كنت في مركبة فضائية، ولم اعتد بعد على إن حركة صغيرة لن تأخذني أبعد منها. في البيت حكيت لأمي عن اسطنبول التي كانت قد زارتها ، ابتسمت طويلا وهي تحكي لي عن أشياء لم ألمحها هناك، لم تعد موجودة تلك الأشياء يا أمي، يا ست الكل.
قبل سفري إلى الحجاز مع أمي وأبي، كان آول من اتصل به دكتورة عزة بدر، في التليفون كانت تحكي لي عن مكة، عن الحج ، وعن المشقة، تعلق قلبي بالكعبة أول ما وقعت عليها عيناي، بجواري وقفت أمي تردد الله أكبر، أمسكت يدها وأنا سعيدة إني دعوت الله في ذات اللحظة التي امتد بصري للكعبة، كانت هذه النصيحة التي سمعتها من كثيرين، في النظرة الأولى للكعبة دعوة لا ترد، ولازلت أرجو الله أن يجيب لهذه الدعوة بالذات، أرجوه بشدة.
بعد شهر تقريبا، كنت أجهز لكتابة قصة ألقيها في المجلس الأعلى، القصة استمتدها من زيارتي لأسطنبول، لكني بدلا من الذهاب إلى المجلس بقدمين سليمين، كنت أذهب إلى المجلس بقدم يكسوها الجبس وبعكاز، مريم وسلمى بنات أخي كانتا بجواري، في حالة من عدم الفهم عما يجري حولهم، إلى البيت عدنا بهما شبة نائمتين، تذكرت المرة الأولى التي رأيت فيها ليلى.
أمام الكمبيوتر أجلس الآن وأمامي ديوان لعزة بدر، كنت أنوي أن أكتب عنه، لكن الحال انتهى إلى الكتابة عن والدتي، وعنها ، ومع ذلك انهي التدوينة بقصيدة من الديوان بعنوان "مواقيت"، تحمل تساؤلا نمر به أحيانا، ربما كثيرا:
يارب
يارب في هذا الوقت من اليوم
في هذا الوقت من العام
في هذا الوقت من العمر
لأمر على الدنيا
وكما لو كنت سحابات
أو بعض غمام
يارب
في هذا المسبح
لتسّبح في النهر
ذرات رمال
تمتد جبالا من وهم
من خوف ظنوني
وتراني
سبحت بحمدك
وبما هو لك
من تاج جمالك
من روح كمالك
وتراني
في هذا الوقت من اليوم
في هذا الوقت من العام
في هذا الوقت من العمر
ومن الأحلام!
ككلام طيب
أبقى جذرا في الأرض
وكريح رخاء
كسلام في الناس
ومسرة
أم أن القلب
في عمق البحر
زبد
وبكاء للريح؟!
من ديوان "يا حب" د. عزة بدر كتاب الجمهورية-2008
5 comments:
تصدقى أنك فكرتينى أقرا الديوان دا
نسيت خالص أقراه
حمدالله ع السلامة يا افندم
صباحك ورد
تدوينة ممتعة
تحياتي لك ولدكتورة عزة
طه: طب أديني فكرتك أهو
انبسطت جدا على فكرة لما شفتك في البلد صباح الفل
محممود خليفة: أنت فين يا ابني؟
أراضيك فين و العمارات وكدا؟
:))
مصطفى ريان: الله يخليك
ربنا يكرمك وتيجي هنا دايما
وتكون بألف خير
شيماء
انت فكرتيني بنفس الموقف ده اللي انا مريت بيه زيك بالضبط
بس الفرق اني كان معايا ابني احمد اللي بسرعة ضرب صحوبية مع ليلي
وبعد يوم صحي من النوم قالي انا حلمت بليلى يا ماما
واليوم اللي بعده حلم فيه بقصيدة شعر ولما صحي من انوم قالهالي مباشرة
المقصود ان الجمال استقبالنا ليه ممكن نكون واعيين ليه في ساعتها وممكن في اوقات تانية
تخرج بشكل لم نتوقعه وهذا ما حدث فقد أصبحنا أصدقاء نتبادل هذا الاحساس بالجمال انا وليلى وعزة واحمد
تحياتي
Post a Comment