حنين أحمد عمار


كان ذلك في نهاية عام 2004 حين التقيت للمرة الأولى بالأستاذ أحمد عمار في الأيام القليلة التي سبقت تدشين موقع بص وطل؛ كانت بص وطل في بدايتها ، وكنت أنا ضمن خمسة أفراد آخرين من الرعيل الأول الذي وفد إلى المجلة قبل أن تبدأ، و قبل أن تتفرع بص وطل إلى شجرة كبيرة يصعب من الإمكان تحديد عدد فروعها! في تلك الأثناء وحين كان محرري بص وطل لايزالون أسرة صغيرة للغاية، تعرفت على أحمد عمار...كان هو مصحح اللغة العربية المسئول عن مراجعة كل ما يكتب على الموقع..وبصراحة شديدة، فإني حين رأيته أول مرة تعجبت قليلا، فهو ليس من هؤلاء الذين تجدهم يقولون لكم بدلا من "آه".."أينعم" ولا الذين يقولون لك بنبرة من السخرية "من صاحب القلم؟"، وكأن تلك العبارات لابد من إضافتها كي تعرف أن الأستاذ الذي أمامك ضليع في قواعد اللغة العربية و كأنه ليس عيبا أن نتندر على الفصحى وكأن العامية لغة أخرى لا تمت لها بصلة!

عرفت أيضا إنه معيد في كلية الآداب ، جامعة القاهرة، ثم توالت الاكتشافات بعد ذلك! شاعر للعامية...أب لطفلة جميلة تدعى "حنين"...له بعض التجارب المسرحية...مذيع في ردايو بص وطل...وفوق كل ذلك إنسان جدع لا يتلون وجهه مع الزمن ولا حين تأتيه السماء ببعض قطرات المطر!

لكل هذه الأسباب، كان بداخلي شعور كامل بالرضا وأنا استلم ديوان أحمد عمار الأول! جربت هذا الشعور مرة واحدة من قبل...أن تدون ما تكتبه على أوراق نتيجة أو حتى ورق أبيض نظيف مسطر، فتجده أمام عينك كتاب محترم بغلاف لميع، وأسمك عليه كده مرة واحدة! وأما بقى أن يكون أسم الديوان هو نفسه أسم طفلة جميلة تعرفها جيدا تدعى "حنين" - وترى صورتها على الغلاف أيضا- فإن ذلك يكون مدعاة لشعور مضاعف من الفرح!

ينقسم الديوان إلى ستة أجزاء: "حالات"، "وطن"، "طريق"، "غناوي"، "حنين" ، "كلمات أبي"؛ في كل جزء يعزف الشاعر على ألحان إنسانية متنوعة ، فكما يكشف لنا عنوان الجزء الأول "حالات"، يتناول أحمد عمار حالات من المشاعر الإنسانية -المتناقضة أحيانا- التي تتملكنا جميعا مثل الغربة تجاه الحياة، إلى عشقها إلى الحنين إلى ذكريات الماضي وإن كانت شجية؛ وفي الجزء الثاني "وطن" يعبر أحمد عمار عن أزمة جيل أصبح الوطن يمثل له مجموعة مركبة من المشاعر الإنسانية من عشق ترابه والتغني له، إلى الشعور بالإنهزام و الخيبة لأنه في بعض الأحيان حب من طرف واحد تتحد الظروف الخارجية ضده:

"أبويا قال لي من زمن...
ثلاثين سنة...خمسين سنة...
كان عندنا...
ف بلدنا دي ديك فصيح...
بيقوم يصيح...
ويخلي كل الناس تقوم...تصحى..تفوق
ويخلي كل ديوك جيرانا تنتفض تطلع تصيح...
لكنه يا خسارة سكت...
قصدي اتخرس..."

وفي الجزئين الثالث والرابع يتغير عزف الألحان قليلا ، وتحس كأنك في حفل صوفي وعلى نغمات الرق طيب، تستمع إلى أحمد عمار وهو يعبر عن حب الحبيبة تارة و حب الرسول (صلى الله عليه وسلم):

"عاشق هواك...
أنا نفسي أنول دايما رضاك...
وأسير على الدرب...الطريق..
يحلا ما دمت رفيق خطاك...
واطلع لفوق عند القمر...
إللي إنت نورك يا نبي غطى عليه...
ومعاك هيحلو السهر...
ما هو نور جمالك يا نبي حببني فيه..."

ومن الجو الصوفي في الجزء الثالث، إلى عزف الناي الحزين في الجزء الخامس، فينطلق الشاعر من الحاضر ويستدعي الماضي بكل ما فيه من حكايات أسطورية ومشاعر من البراءة والصدق سرعان ما يهزمها الواقع!

في يوم جات لي "حنين" بنتي
وسألتني
قالت لي: يا بابا إيه ممكن تحاف منه
سرحت بعيد
لقيتني باخاف من الضلمة
من العتمة
من الكلب إللي ينبح في حوارينا
من الغولة
من إللي رجله مسلوخة
مقشة ساحرة شريرة
مراة الأب ف الحواديت
وحداية بتاكل عندنا الكتاكيت
وديب يعوي
لقيتني باخاف من الغربة
من الوحدة
من الحرمان
من القسوة
من الأحزان
وهزتني إيدين بنتي بكل حنان
قالت لي يا بابا إيه ممكن نحاف منه
بعزم ما فيّ قلت: الله
ما هو القاهر الجبار
وهو الغافر التواب
وعين بنتي كانت عارفة إن أنا كداب!!

وإذا كان الديوان يستدعي بداخلك كل المعاني التي نفتقدها في الواقع من حب الحياة، وحب الوطن والأهل ، فإن الجزء السادس يبدو متسقا مع ما يطرحه الديوان فيقدم الشاعر قصائد لوالده "عادل عمار" ويهديها له.

وأخيرا تتبادر الأسئلة إلى ذهني بعضها لها علاقة مباشرة بالديوان والبعض الآخر خارجا عنه: فبعيدا عن رؤية الشاعر، لماذا يتملكنا جميعا الحنين إلى الماضي؟ هل لأنها طريقة "مريحة" للهروب من الواقع المتشح بالسواد؟ أم أن الواقع بالفعل يستحيل تغييره ويصبح الحنين إذن لحنا حبيبا نستدعيه ونغنيه ونردده؟ ولماذا الكتابة بالعامية مع إن الشاعر معيد قد الدنيا في تخصص اللغة العربية؟ هل يتسق ذلك مع دعوته الضمنية بأن نعيش الحياة كما هي بكل ما فيها من مشاعر إنكسار و أمل و عشق، أم أنه اختار لأسباب تسويقية بحته أن يكتب باللغة الأقرب إلينا ؟ وماذا عن مشاعر الفرح في القصيدة؟ وهل يكون الحنين أيضا إلى الفرح، كما يكون إلى الشجن؟ ولماذا اختار أحمد عمار أن يسجل قصائده بصوته في السي دي المرفق مع الكتاب؟ وهل نتوقع من الشاعر المزيد من المشاعر المركبة داخل القصيدة في الدواوين التالية ؟ أسئلة أحب أن نتبادل فيها الأفكار سويا...

الديوان صدر عن دار ليلى للنشر، وسيكون متواجد في جناح دار ليلى في معرض الكتاب بعد أيام

وأخيرا إلى قراء مدونتي الأعزاء، صباحكم حنين...صباحكم جميعا فل وياسمين...

6 comments:

ABUL_HASAN said...

بسم الله الرحمن الرحيم..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...الحقيقة ان هذه اول زيارة لي لمدونتكم الرائعة..وارجو ان تقبلوني ضيفا وصديقا للمدونة....بالنسبة للديوان ففي الحقيقة لم تتح لي الفرصة ان اطلع عليه حتى الان ولكني سأحرص على اقتناء نسخة منه ان شاء الله تعالى...كما ان الاسئلة التي قمتم بطرحها اعتقد ان الشاعر نفسه هو الاقدر على الاجابة عليها...ولكن شدتني تلك المقطوعات التي قمتم بعرضها من ديوان الشاعر....فهي تلامس الوجدان وتعبر عن المشاعر التي غالبا ما يصعب على الانسان العادي ان يعبر عنها وهذه هي وظيفة الشاعر وهذه هي قيمة الشعر...اما عن العامية في لغة الشعر فانا وان كنت اميل الي الشعر الفصيح...الا اني ارى ان الشعر العامي اكثر تعبيرا واقرب وصولا لوجدان المتلقي اذا ما تعلق الامر بشاكل الحياة وهمومها ...اما عن الحنين للماضي وسببه فهذا سؤال مازلت ابحث له عن اجابة؟...وفي الختام شكرا جزيلا لانكم لفتم انتباهنا الي هذا الديوان وجزاكم الله كل خير

Shaimaa Zaher said...

أبو الحسن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...أنا سعيدة كمان بزيارة حضرتك وبرأيك في المدونة وبجد يسعدني أشوف أراء حضرتك

---
أنا كمان بصيت سريعا ع مدونتاك ولفت نظري إن فيه مدونة كاملة عن الشعر وده يفسر لي اهتمامك ع التساؤلات جوا البوست

باتفق معاك إن الشعر العامي أقرب وإن كان برضوا الموضوع محير لأن فيه حاجات فصحى ممكن تلاقي نفسك حافظها زي بعض أشعار فاروق جويدة وأحرين

وأظن إن الأستاذ أحمد عمار حيكون سعيد بكلامك عن أشعاره ، و المدونة بالطبع ترحب بتعليقاته إذا سمحت له الظروف بذلك.

بس أنا عندي سؤال لحضرتك: إنت بتكتب بالعامية كمان ؟ لأني ع ما أظن المدونة إللي اطلعت عليها كان كلها شعرها فصحى

وأما عن الحنين إلى الماضي، فأنا مثلك أبحث عن الإجابة...

كل التحية ...

Anonymous said...

بداية أشكرك بشدة يا "شيماء" على هذا الكلام الكبير حدا الذي أرى أنني لا أستحقه، ثانيا أشكر الأخ "أبو الحسن" على مشاركته الرائعة.

أما بخصوص موقفي من شعر العامية فهو -في جانب كبير منه- اختيار، فقد اختارتني العامية واخترتها –كما أوضحت في مقدمة ديواني- فالعامية هي كلمات أمي وصيحات بنتي "حنين" وضجيج إخوتي وأصدقائي، ولمسات زوجتي الحانية، هي باختصار شديدي "وطني" الذي أحبه كثيرا.

أما بخصوص الماضي، فلا شك أن الماضي هو أنا، فلولاه ما كنت أنا الذي أعرفه وتعرفينه، فهو الذي شكل هذا الكيان الذي ترينه أمامك.. هذا هو الماضي الذي حين أحن إليه فإنني أحن إلى نفسي ولحظات حياتي التي عشتها مع من أحببتهم وأحبوني..

وعن إصراري على أن تكون هناك نسخة صوتية من الديوان على (سي دي) فهو عائد لحبي أولا لفن الإلقاء وثانيا لإيماني بأن الشعر –وخاصة العامية= فن شفاهي في الأساس ويفتقد الكثير إذا لم يسمعه الناس مكتفين بقراءته.

وفي النهاية أشكرك ثانية وأتمنى من الله أن يلاقي ديواني الأول النجاح الذي أتمناه.

Shaimaa Zaher said...

أنونيموس- أحمد عمار:

أولا، مبروك مرة تانية لصدور الديوان وإن شاء الله يحقق النجاح إللي تتمناه ويكون له دوي وصدى :)

وأنت تستاهل أكثر من كده كمان

وشكرا يا فندم لإيضاح النقاط بخصوص الشعر كفن شفاههي ، وده فكرني بموقف حصل قريب جدا، كنت قاعدة بقرا الديوان بتاعك في أمان الله، أيام الإمتحانات، رحت أجيب حاجة، ولقيت واحد زميلي ماسك الديوان وبيقرا الشعر بصوت عالي، وكان عجبه جدا، وأظن هنا إنه عمل نفس الفكرة إللي إنت بتطرحها، الشعر كفن شفاهي

ألف مبرووووووووووك يا أحمد مرة تانية وثالثة وعشرة لك ولحنين شحصيا ولمامتها ولنور

وكل مجموعة أول سطر إللي أنا أكيد فرحانة لصدور كتابهم، وإن كنت سعيدة أكثر لصدور ديوانك، لأن أظن الحطوة دي كانت مطروحة من زمان والحمد الله اتحققت وإن شاء الله تبقى بداية لحطوات أعلى وأعلى بس أبقى افتكرنا يا أحمد وصباحك فل وياسمين :)

Dr. Diaa Elnaggar said...

عزيزتي شيماء

القصيدة دي، قصيدة الاستاذ أحمد عمار مع ابنته حنين، كنت قد قرأتها ذات مرة في جريدة "الدستور"، وكنت قد اعجبت بالقصيدة أيما اعجاب، واردت الاحتفاظ بالقصيدة ولكن جاء مرضي، ثم السفر إلى ألمانيا، فحالا الاثنان بيني وبين هذه القصيدة، فأراك هنا تنشريها، فكانت سعادتي كبيرة جدا لعثوري عليها مرة أخرى، وكأنه لقاء دبره القدر مع هذه القصيدة وهذا الشاعر العميق. شكرا لك وكل التوفيق للأستاذ أحمد عمار.

عميق تحياتي لكما

ضياء

Shaimaa Zaher said...

د.ضياء النجار:

منور البلوج ....

أنا فاكرة الموضوع ده كويس، دي بقى الذكريات إللي الواحد يفتكرها ع رأي السادات الله يرحمه فيما معناه إنه سيجيء وقت نجلس فيه لنتحدث عن حلاوة نصر، ع اعتبار يعني إن شفاك ده كان نصر من عند الله...

ويارب أستاذ أحمد عمار يقرا كلامك، لإني أظن دا بشرة خير إنه بإذن الله الديوان ينجح

وأخيرا صباحك فل وياسمين و شكولاته سوسيري بالفستدق مع الاعتذار بالطبع لكورونا، الماركة الوطنية الوحيدة :))

اخترنا لكم...حنان في الريف و خلي السعادة عادة مع ميادة!

وحشتوني جدا   أنا انهاردا في جو تمانيناتي جميل وباسمع هدى القمر لإيهاب توفيق والدنيا دندنة وباكتب لكم وأنا حاضنة البطانية  عاوزة اشاركم حاجت...