أن تحب قلّه

على قدّ ما قد يبدو الموضوع تافها ومضحكا على السطح، إلا إنه مش كده! الفكرة جاءت لي وأنا استمع إلى أغنية لمحمد فوزي عبر أثير الراديو، كنت أجلس بجوار والدتي ، وإذا بي فجأة أطلب منها أن تنتبه ، عشان فيه حاجة مهمة سأقولها بعد الأغنية. انتهت الأغنية ورحت أقول لوالدتي في تعجب:

شفتي يا ماما..أنا طول عمري كنت فاكرة الأغنية حاجة، دلوقتي فهمتها على حقيقتها. ورحت أحدثها وداخلي يبتسم ، وكأنها مثلا هي التي كتبت كلمات الأغنية:

"ممكن تفهميني يعني إزاي يحب واحد ماشفهوش قبل كده؟ إزاي يبقى ولا في ماضي يجمعهم ولا مرة جمعهم مكان و يحبها، إزاي؟ ولا مرة حتى؟"

ولأن والدتي لا تختلف عني كثيرا من حيث الطيبة وما إلى ذلك، فراحت تكمل معي الحديث:
"يمكن شافها مرة وحبها و بعد كده ما شفهاش تاني"!
ورحت أكمل وأنا أضحك معها :
"أيوة .. كانت بتدعدي الشارع وكان هو واقف مستني الأتوبيس! والله ممكن ...قصدك يعني زي إللي بيحبوا بعض أونلاين من غير ما يشوفوا بعض..بس إيام محمد فوزي ما كنش فيه إنترنت!"

ثم تذكرت ساعتها موضوع الرجل الذي أحب قلّه، كان فيه راجل في سالف العصر والأوان يمشي تحت بلكونة فيرى امرأة ظنها فاتنة ترتدي بيشة، وظل يتعلق بها كل يوم، ويحبها، حتى أن أكتشف ذات يوم إن حبيبته ما هي إلا قله، ترتدي بيريه على رأسها، خوفا من دخول الناموس والهاموش إليها طبعا!
-------------------------------------------

انسحبت إلى غرفتي وأنا أفكر في القصة وتواترت الأسئلة إلى ذهني: طب يعني هو الراجل كان شعوره إيه لما اكتشف إن البنت إللي بيحبها مش حقيقية ولا تمت لواقعة بصله؟ طب يا ترى لما كان بيعدي على البلكونة بعد كده، كان بيبص لمكان القلة، بيفتكر حبيبته إللي حبها بخياله وما شفهاش تمام زي محمد فوزي بالضبط؟ حركت رأسي يمينا ويسارا و توجهت إلى الراديو وأنا أدير المؤشر على محطة الموسيقى ورحت أقول لنفسي:
طب وإنت مستغربة الراجل ليه؟ طب ما ده بيحصل دلوقتي، لو فتشتي في كل واحد منا، حتلاقيه كان بيحب قله في يوم من الأيام...ثم أخذت استدعي بداخلي كل حكايات الحب التي سمعت عنها بدءا من تلك القارئة العجيبة التي أرسلت لنا مرة رسالة في بص وطل إنها معجبة ابن الجيران وهو كمان بيكلكس بالعربية كل ما بيشوفها ! مرورا بحكايات أخرى لشاب أحب فتاة في صمت طيلة أربع سنوات وكانت علاقتهم لا تتعدى "صباح الخير" و"صباح النور"، أو شاب لا يريد الزواج ولا يقدر أن يحب فتاة أخرى لأنه يعيش في سجن الحب الأول.

نحن إذن في مجتمع قلل، قلتها لنفسي في ارتياح وكأني وجدت التفسير لأمر كان يحيرني منذ زمن، ثم توجهت هذه المرة إلى كمبيوتري وأخذت استمع إلى العزيز براين آدمز في خالدته، "سأكون خطوتين بالخلف"، و"عندما تحب أمرأة "

ابتسمت وأنا اتخيل براين آدمز يغني أغنية للرموش أو العيون أو الضحكة الحلوة أو نيني العين ..كما هوالحال في الأغاني المصرية!

وأخذت أفكر بصوت عالي:
لأ...بجد، يعني مش يمكن ده هو أحد أسباب تخلفنا؟ إن إحنا بتمسك بحاجات غير منطقية أحيانا؟ يعني الغرب وصل القمر وإلخ إلخ وإحنا عندنا لسه شباب زي الورد ممكن يعيش في حالة صادقة من الحزن بسبب روح القلل الطاغية علينا وإن اختلفت درجاتها بالطبع؟ طب مش يمكن بالعكس، تكون دي الحاجة الوحيدة إللي كويسة فينا، يعني في الوقت إللي الغرب قد يعاني لأن العلاقات عندهم قايمة على المنفعة الجسدية في المقام الأول ، الشرق (المتخلف) عنده الدفئ، الصادق في كثير من الأحيان حتى لو كان مبالغا!!

طب إيه؟ يعني الحل إي؟ نرمي القلل ونخسر معها كما حقيقا من الدفئ و المشاعر الطازجة ؟ طب الغرب صح ..أكيد برضوا لأ ، وإلا لما كانت تلك الحكاية التي سمعتها من أخي ذات مرة عن أستاذ في الجامعة انتحر ليس من الفقر كما يحدث في مصر، بل لأنه اكتشف إن حياته لا جدوى لها؟ طب إيه بس؟ نفضل زي ما أحنا؟ أكيد أنا مش بادعي للنموذج الغربي ..بس برضوا فيه مشكلة حقيقية عندنا في موضوع المشاعر، ولو فكرت شوية حتلاقي موضوع القلل ده مرتبط بأحداث سياسية إحنا مرينا بها.. لأن المواضيع بتنفد على بعضها في النهاية..أنا مش بادعو لتحطيم القلل بس فعلا فيه حاجة غلط فينا..يمكن مش قادرة أحددها بس ما يمنعش إني حاسة بوجودها وبتؤرقني في بعض الأحيان...
---------------------------------------------------
نرجع بقى لموضوعنا ، الأغنية بتاعة فوزي أسمها "تملي في قلبي " والحقيقة أنا باحبها أوي مع كل ما أثارته بداخلي من تساؤلات...صباح الجمال والميه بالنعناع والليمون..قلل بقى وكده

8 comments:

white seagull said...

يمكن مش قادرة أحددها بس ما يمنعش إني حاسة بوجودها وبتؤرقني في بعض الأحيان...

الموضوع ده مهم قوى بجد و شاغلنى برضة و برضة مش عارفة إيه الحل لأنى مش عارفة أحدد فين المشكلة أصلا بس تساؤلاتك مهمة, هفكر فى كلامك تانى يمكن أشوف حاجات ماكنتش واخدة بالى منها.

كراكيب نـهـى مـحمود said...

الغالية شيماء صوت محمد فوزي من الاصوات التي اعشقها خاصة اوبريت شحات الغرام يأسرني لازال يروادني حلم ان اتزروج رجل يمارس معي طقسا مشابها
هااااااااااه نقول ايه بقى
عن القلل يا ستي يلا نكسر خلف الاوهام كل القلل المنعنعه بوست جميل ووحشاني موت ولازم اشوفك قريب يا جميل

Shaimaa Zaher said...

وايت سيجال:شفتي إزاي إحنا على نفس الخط؟ أنا مبسوطة إنك حتفكري معايا...و شوفي كده إيه النظام وقول لي لي..صباحك فل وياسمين ....

--------------------------

نهى:أنا كمان بحب فوزي جدا..الأغنية دي بالذات كمان...ياريت أخطر على قلبك ولو تكرهني وأحبك..فيه حاجة كده في الدنيا؟ هههه..قادر على كل شيئ!
:)
أما بقى يا ستي بخصوص شحات الغرام..فكله على الله..بس هو أنت الأول ساكنة في الدور الكام؟ ما هو لوإنت في العاشر أو السابع مثلا..عقبال ما ينادي يكون الشارع كله بقى قدام البيت ... P:
بهزر معاك يا جميل..إنت كمان وحشاني وعايزة أشوفك...سلام كبير

Muhammad said...

طيب .. الكلام النهاردة شكله هيطول شوية .. محتاجين اتنين شاي, و انا اللي هحاسب متخافيش .. اتعودت منك ع الكرم خلاص
:p

سأستند بالأساس في ردي إلى نقطتين

الاولى: كلمات صديقتي التي رحلت بخصوص نظريتها في الـ
soulmate
كل قفل ليه مفتاح واحد بس .. ممكن كذا مفتاح يدخلوا في القفل .. لكن مفتاح واحد بس اللي ممكن يفتحه .. حتى لو عملنا عليه نسخ, فهتفضل مجرد نسخ .. لكن لكل قفل مفتاح واحد .. و المفتاح ده موجود في مكان ما, قد يكون جنبك تماما, و قد يكون في الناحية الاخرى من الكرة الارضية .. ربما التقى القفل و المفتاح, و ربما شعر القفل ان ده مفتاحه, لكن لا يمكن ابدا التأكد من هذا الامر, حتى لو المفتاح فتح القفل .. لانه ممكن يكون نسخة او شبيه, و ممكن يكون النسخة الاصلية لسه محصلش انه قابلها عشان يشوف الفرق بين الاصل و الشبيه -- و ده ممكن يفسر اننا ممكن نحب كذا مرة, لكن تتبقى مرة واحدة فقط اللي بيحصل فيها الانسجام التام, و ممكن المرة دي تحصل او لا, و لو حصلت لا يمكن التأكد ان ده فعلا
my soulmate


الثانية: كلمات صلاح عبد الصبور في قصيدته "قالت": قالت .. لا يولد انسانان على قدر الا التقيا .. فمتى القاه؟ .. ايامي موحشة, و لياليّ تؤانسها الآه .. قالت .. اني انظر في احداق الناس و في شفتيهم, اتملاه .. و وجدتهمو اغرابا عن روحي, و اخو الروح بعيد ما اقساه .. قالت .. في ذات مساء سوف يهل على دنياي, انا دنياه .. سيمد اليّ يديه, و يناديني, و ساعرفه, و سأخطر في يمناه

يبدو ان فتاة صلاح تتحدث عن نفس الشيء .. الـ
soulmate
و ربما لذلك استخدمت تعبير "اخو الروح" ... تتحدث الفتاة عن ذلك الموجود في مكان ما .. لم يسبق لها ان رأته, و لم يسبق ان جمعهما مكان .. الا انها تعرف بوجوده, و تحبه, و تنتظره ... ربما اختلفت كلمات صلاح عن كلمات صديقتي في نقطة "و سأعرفه" .. ترى فتاة صلاح انها ستعرفه, و اغلب الظن ان ده هيبقى عن طريق تعرف روحها على روحه, بينما ترى صديقتي انك حتى لو عرفته, فلن ترقى هذه المعرفة ابدا الى مرحلة اليقين .. ليست هذه نقطتنا على اية حال

نعود الى اغنية محمد فوزي .. بأخذ ما سبق في الاعتبار, تتضح الصورة ... نفهم الان ازاي حب واحدة مشفهاش و مفيش ماضي جمعهم و لا مكان, بل من الممكن جدا ان فوزي يفضل يغنيلها طول عمره و يموت قبل ما يقابلها

اتعجب جدا من استنتاجك المباغت "نحن اذن في مجتمع قلل" و اتساءل: اليس من الوارد ان يحدث نفس الشيء في الغرب؟ .. اعني ان يتعلق شاب غربي بقلة غربية كان قد حسبها فتاة؟
شوفي مثلا الفيلم الايطالي الرائع
Nuovo Cinema Paradiso
هتلاقي علاقة شبيهة جدا بالعلاقات الشرقية .. و هتلاقي برده البطل بيحكي عن شاب فضل مستني بنت تحت شباكها 99 ليلة, بكل ما كان فيهم من تقلب للاجواء - بالمناسبة: هي اللي كانت قايلاله تستناني 100 ليلة تحت الشباك لو عاوز ترتبط بيا فعلا, و بالفعل استناها, بس جه في الليلة الـ 99 و مشي كده من نفسه, تعرفي ليه؟ يا ريت تقوليلي - قصدي ان زي ما عندنا حكاية القلة, عندهم حكايات زيها

لن نعدم امثلة لاغاني مماثلة عند الغربيين .. ليسوا جميعا آدمز .. لكن اتفق ان عندهم تنوع اكبر

خلص الكلام, و لا شفنا شاي و لا حتى ميا
صباح الكرم

Shaimaa Zaher said...

فريكيكو: إزيك يا أستاذ..
هات يا عم كرسي وأنا كمان عزماك على واحد شاي وكوباية ميه بالمورد، أوك؟

أتفق معك تماما في موضوع القفل والمفتاح، فعلا ربنا كاتب لكل واحد شخص حيتآلف معاه، ومن هنا جات قصيدة صلاح عبد الصبور ونظرية أخو الروح زي ما صديقتك قالت.
بس مش عارفة ..متيألي إن كل مرة الإنسان بيحب فيها، بيظن إن ده حب حقيقي، طالما المشاعر صادقة، ومش سهل إنك تقارن بين حالة حب وحالة حب تانية عشان تعرف مين فيهم كان الأصدق، لأن في كل مرة حتحس إنك أكيد لقيت الإنسان إللي بتدور عليه، سواء ده حيطلع صح أو لا..

عشان كده ، نظرية الحب الأول بتصيبني بحالة من الإندهاش في بعض الأحيان..المشكلة الأساسية عندي إني باحس إن إحنا بنحب نعيش في الماضي..إنك تتجمد وتعيش في سجن وناس تانية بتبص لقدام وتتطور ، والحب الأول ، والمفاهيم الغير منطقية في التعبير عن المشاعر، زي ما قلت في البوست، ده جزء من الحكاية..فاهمني؟

قصة الفيلم جميلة، ومش لاقيه سبب يخليه يمشي في اليوم ال99 ، هي الدنيا كانت برد أوي كده وما اقدرش يستحمل يوم شقى كمان :)

أما بخصوص الأغاني الغربية ، فمش عارفة حافكر في كلامك تاني واستدعي الذاكرة...ممكن كلامك يكون صح..مش عارفة

المهم دي كانت فرصة طيبة إني أعرف قصيدة لصلاح عبد الصبور ما كنتش عارفاها...شفت بقى النعناع بيعمل إيه فالناس؟ صباح الفل :)

hesterua said...

جميل انك بتحبى محمد فوزى
فوزى عبقرى وتجربة جميلة قوى وصوته فى تفاؤل وضحك واحساس كده

بالنسبة لمعنى الغنوة

خدى بالك ان فى ناس كتير , بنات اكتر بيحبوا واحد لسه مجاش
فارس احلام يعنى
بس مش فار ومبهمة كده
لأ
بيحبوا واحد عارفين انه موجود وانه بيدور عليها زى ما بتدور عليه واكيد هيتقابلوا ويكملوا بعض

فى غنوة للمطربة سلمى صباحى بالمعنى ده


http://www.4shared.com/file/12067772/bc58bfb5/-_online.html

Anonymous said...

الغرب قد يعاني لأن العلاقات عندهم قايمة على المنفعة الجسدية في المقام الأول ، الشرق (المتخلف) عنده الدفئ، الصادق في كثير من الأحيان حتى لو كان مبالغا!!

أظن ان الموضوع مش كدة خالص يا شيماء، ستبقى القلل في كل مكان وإلى الأبد، يمكن فيه ناس - احم - تعز القلل اكتر من غيرها، لكن القلل في كل حتة يا عزيزتي، اشكال وألوان.. بس جامد موضوع القلل ده بجد، عين قصّاصة صحيح

Shaimaa Zaher said...

هيستريا: محمد فوزري حد جميل فعلا...
و جميل إنك تناجي حد لسه ما جاش. عارف ده نفس فكرة الإيمان بالضبط، إنك تكون متأكد إن فيه حد بيدور عليك زي ما أنت كمان بتدور عليه.

وحشوف كده موضوع سلمى الصباح..هحاول أسمع الأغنية، هو ده الرابط بتاعها مش كده؟

------------------------
عمر: يمكن برضوا يكون عندك حق...فيه قلل في كل مكان، وهنا أقصد المعنى الإيجابي ، من تضحية و إيثار الذات وكده...مثلا أعرف واحد ألماني قرر إنه يسلم ويعيش هنا في مصر، عشان بيقول إنه هناك كان حاسس بالضياع، وهو حاليا بيتعلم عربي، ده برضوا نوع من الحب...وأصراحة أنا أعز قصص الحب المرتبطة بالتغير ، لأن ده الشيء الوحيد إللي ممكن يثبت إنها حقيقية فعلا...

بس حلوة يا عمر "عين قصاصة دي" ..شفت بقى إزاي :) ومبروك على برنامج الراديو ..حاجة جامدة أوي ...

اخترنا لكم...حنان في الريف و خلي السعادة عادة مع ميادة!

وحشتوني جدا   أنا انهاردا في جو تمانيناتي جميل وباسمع هدى القمر لإيهاب توفيق والدنيا دندنة وباكتب لكم وأنا حاضنة البطانية  عاوزة اشاركم حاجت...