أستغماية!

هي العبة التي نحب أن نلعبها دائما وأنت تتصور أن ما تكتبه أولا وأخيرا لنفسك وذاتك بينما أنت تكتبه أولا وأخيرا لغيرك من القراء! وغيرك يلعبها معك فتجد مثلا أصدقاء يتابعونك وربما لا يصرحون أبدا إنهم يتابعون ما تكتب، ربما خوفا من أن تظن أنهم يتجاوزون حيز خصوصياتك! وتنتهي اللعبة حين تصادف، شخص يقابلك في مكان ما و يفاجاءك:
آآآه..هو أنت فلان الفلاني؟
أيوة
مدونتك أسمها ... ؟
أيوة
أنت بتكتب في المكان الفلاني؟
أيوة
ثم تكتشف بعد ذلك أن ذلك الشخص أو غيره يتابعك جيدا ويعرف كل ما كتبته، وربما تفرح مثلي، أو تسرح قليلا في إبتسام وأنت تحس أن تتابع الجمل التي قالها لك، يذكرك بمشهد في مسرحية شاهد..أيوة المشهد ده إللي بيتعرف فيه عادل إمام على الشخص القابع في القفص في جمل سريعة متتالية كتلك التي كنت تسمعها منذ قليل، مع الفارق طبعا!
لكل هؤلاء الأعزاء القليليين أعتذر أن المدونة ستتوقف عن الكلام لفترة ربما تطول ، وكل ما آمله هو أن أجد في تلك الفترة ما قد يستحق أن أكتب عنه بعد ذلك، وأعود أقف كواحدة من هذه الدائرة الكبيرة الرحبة من الرفاق، أضع منديل على عيني ، يتخللها بصيص من الضوء على الرغم منه، ونعود سويا من جديد...

حُب على كف عفريت!

كان عندي إنفلونزا وكنت مجبرة على النزول لأسلم الطلبة في القسم مقالاتهم ، وكانت الشمس نسبيا مشرقة و كان لرؤية الطلبة في نفسي أثر طيب ، جلست على كرسي عليه كومه من الأظرف البيضاء والطلبة من حولي في كل مكان حتى على الترابيزة البنية القديمة التي تسع بالكاد فنجانين من القهوة وكوب ليمون، شعرت بالزهو وأنا المح نظرة الإعجاب في عيون الطالبات من حولي: إيه؟ هل هو مفعول لبس العيد؟ أكونش وحاشتوهم ولا حاجة؟
أرى شادي يبتسم لشيء كنت أقوله لا أراه يدعو للإبتسام . اتوقف عن الكلام : "هو فيه حاجة يا شادي"؟

- لا أبدا..أصل هو إللي عايز يمشي ويروح الحمام، و يشير بيده إلى الطالب الأسمر الآتي من جزر القمر.

ابتسمت رغما عني على ملامح شادي ، كتمت الغيظ بداخلي وأنا أردد "يارب أنت كريم، توب عليّ من العيال الحلوين دول والشغلانة دي بقى!"

بعد قليل، كنت أحدثهم عن مفهوم الثقافة:
- يعني مش لازم يكون اتنين من بلدين مختلفين عشان يكون ثقافتهم مختلفة، ممكن يكون اتنين من بلد واحدة بس لكل واحد فيهم ثقافة مختلفة..وألا أنتم رأيكم إيه؟ يمكن حد فيكم له رأي مختلف؟

وعلى طريقة مجلس الشعب، كانوا الطالبات الجالسين أمامي يهزون لي رأوسهم في إبتسام دلالة على الموافقة، وفي أقصى اليمين كانت طالبة ترفع صوتها وتقول لي إنها مش مقتنعة بكلامي وإن الناس إللي عايشين في البلد بيكون لهم ثقافة واحدة، فرحت أسألها:

-هو مثلا الناس إللي ساكنة في مصر الجديدة زي الناس إللي ساكنة في مدينة نصر؟

أكيد حتحسوا بإختلاف ، مصر الجديدة تعبر عن مصر الليبرالية، بس مدينة نصر مش كده، الناس فيها أميل إلى التحفظ،، مصر كانت زمان مختلفة بس لما جت التيارات الدينية لمصر من السبعينات المجتمع اتغير ، نسبة من الناس إللي ساكنين في مدينة نصر همه الناس إللي كانوا عايشين في الخليخ ورجعوا ، شوفوا طراز البالكونات في مصر الجديدة و البلكونات في مدينة نصر، حتحسوا إن فيه فرق.

والحقيقة إني مجرد ذكري للأخوان في معرض الكلام أثار ضحك الطلبة: "أيوة الأخوان"!
ورحت أعقب إني مش ضد الإخوان في حاجة ، بالعكس همه بيتعرضوا للإضطهاد و فيهم ناس كويسة.

ويبدو إني محظوظة في لخبطة الأفكار من حولي دائما! فقد جاءت لي بعد المحاضرة طالبة ترتدي الخمار وتقول لي في معرض الحديث إنها مش بتحب الأخوان!

وتماما كما تنظر للسماء و أنت تحاول أن تستشف إن كانت ستمطر أم لا، رحت أسألها في يأس، ليه؟ همه الأخوان بيعملوا إيه يعني؟

- الأخوان مش بيعملوا حاجة عشان الحكومة لّماهوم ، أنا أعرف ناس منهم كويس ، اتسجنوا وطلعوا من السجن ، واحد منهم قال لي إني لو كنت فضلت بره السجن، كنت حابهدل الدنيا، هو نفسه بيقول لي إنه ما كنش حافظ قرآن وما كنش يعرف حاجة عن الدين!

وفي الحقيقة (مرة أخرى!) إنها قالت كلام آخر عنهم لا أريد أن أذكره هنا، المؤكد إنها تركتني في حالة شديدة من الحيرة، ورحت أعارضها:
- بس ممكن يكون دول فكرهم وهابي ، فيه فرق ما بين الأخوان والناس إللي جايه من السعودية!
- لأ دول أخوان وبعدين أنا أبويا يعرف ناس منهم كويس.

وكسرطان البحر الذي يتقوقع على نفسه مع تلاطم الأمواج، بدأت ألملم حاجاتي سريعا وأتجه للعربية وأنا أريد أن أحتمي بها، وضعت المفتاح، وأنا أتصور نفسي في مشهد بانورامي أرى الطلبة من فوق وكأني أقود فور باي فور وليس ... ، اندفعت بالعربية و في طريق كلية التجارة، كنت ألوم نفسي "ما هو أصل إنت إللي جايباه لنفسك؟ مالك إنت ومال الإخوان؟ من أمتى يعني لك في السياسة؟ تعرفي تردي يا هانم! " ثم استدرت بالعربية وأنا أخرج من أسوار الجامعة تجاه الشارع الأكثر رحابة، ومع أول إشارة كنت أرفع بصري للسماء واتنهد "يارب أنا تعبت خلاص! ياعني ولا حسني نافع ولاجمال نافع! ولا حتى الأخوان؟" ورحت أتذكر المشهد الشهير لعبد السلام النابلسي "أبسطها يا باسط !" ، وبحركة تلقائية رحت أضع يدي على كتفي لأتأكد إن كانت حلة الملوخية لم تسقط بعد! من الآخر يعني أنا في إنتظار حلة الملوخية! ولا أبالغ إذا قلت إن مصر كلها في إنتظارها "افرجها بقى يا رب! لأجل حبيبك! افرجها بقى! "

اخترنا لكم...حنان في الريف و خلي السعادة عادة مع ميادة!

وحشتوني جدا   أنا انهاردا في جو تمانيناتي جميل وباسمع هدى القمر لإيهاب توفيق والدنيا دندنة وباكتب لكم وأنا حاضنة البطانية  عاوزة اشاركم حاجت...