الأيتام بين نظرية البي بي وبيت الزواحف !

كان اليوم الجمعة وكان موعدي في العاشرة والنصف أمام الباب الرئيسي لجنينة الحيوانات مع بعض الزملاء، في إنتظار أطفال دار البسمة، لكي نقضي معهم اليوم سويا. في الحادية عشر تقريبا كان 36 طفل وطفلة يدخلون الجنينة، والمشرفين يصيحون فيهم كي يمشوا في طابور بأدب و نظام. كنت بالفعل احتاج لكي أقضي يوم مع الأطفال وكان بداخلي شوق حقيقي لكي ندمج مع الأطفال ونلعب معهم! إلا أن هذا لم يحدث، فمشرفين الدار من أولها كان ما يهمهم التأكد من عدد الأطفال و لم يسمح لنا بأن نمسك أي طفل وأن نحدثه.
الوضع هكذا كان يبعث على الملل، إلا أنه بعد قليل من المشي من الجنينة وسط أقفاص الطيور ، و الدجاج وكل ما له علاقة بالطيران ، سمح لنا أن نقترب من الأطفال وأن يختار كل منا طفل أو طفلة لكي يصطحبه طوال الرحلة. وسط كل الأطفال الملتفين حولنا، أحببت "هيام" بتوكتها الخضراء اللامعة ووجهها البشوش. وفي ثوان، أمسكت هيام يدي وأصبحت أنا "والدتها"، فهكذا أطلق علينا المشرفين. الطريف أني أحسست بهذا الإحساس سريعا ، وكثيرا ما كنت آخذ "هيام" في يدي وأنا أريد أن أبتعد بها عن القيود و أقص لها الحكايات و أجعلها تسمعني الأغنيات، لكن للأسف لم يكن هناك فرصة.
بعد قليل أدركت أن كل أحلامي لكل أكون أما لهيام ولو لساعات قليلة باءت بالفشل. فكأي طفلة في الدنيا قالت لي هيام إنها عطشانة وعايزة تشرب. الطريف أني كنت أحمل في يدي اليسرى "كولمن" منذ بداية الرحلة ولكن لم يكن معي كوب للمياة، ولم أكن أحمل سوءا للنية حين ذهبت لإحدى المشرفات وقلت لها ببراءه إني أريد كوب فاضي عشان هيام.
والحقيقة أني ما أن قلت ذلك حتى خرج سيل من المدافع الممطوطة الممتدة من فم المشرفة التي كانت تدعى "مها":
لأ لأ مفيش شرب ولا أي حاجة هنا من غير أذني ! وبعدين يشربوا ويقولوا عايزين ببي ببي ! لأ لأ بعد أذنك!
لا أتذكر على وجه التحديد إن كانت قالت "بعد إذنك" من أصله، بس مش مهم خليها دي عشان خاطر البلوج وعشان صورة الواحد بس!
الطريف أن حكاية شرب الأطفال أصبحت نكته لدى المشرفة، فحتى قبل أن أستدير ومعي هيام ، كانت المشرفة تضحك ضحكات ممتالية مع زميل مشرف أيضا: " وبعد ما يشربوا يقولوا لي عايزين إيه ؟ ثم خبطت كفها بكف زميلها وهي تجيب : "البي بي ! "
حتى حين سمحت المشرفة للأطفال بشرب المياة، كانوا بقفون كلهم في دائرة وهي تقزف في أيديهم أكواب من البلاستيك، لا نزيد المياة بداخلها عن عشرة سنتيمتر ويمكن أقل.بصراحة أستاذة مها فاكرتني بأحداث أوليفر تويست (نفس القسوة يعني)
بالرغم من كل ده، ما كنش مستحيل إن إحنا نقضي وقت لطيف مع الأطفال، في بيت الزواحف كنت أحمل مادموزيل "هيام" على ركبتي كي ترى الزلاحف و الثعابين، أو حاولت أن أفعل ذلك في معظم الأحيان ، لأن الدنيا كانت زحمة و النفس مكتوم وبصراحة ما كنتش طايقة نفسي وما كنتش قادرة.
بالرغم من كل ده، لا يمكن أنسى ملامح الرضا على وشوش الأطفال وهمه قاعدين بياكلوا السندونشات كلهم في الجنينة، وقاعدين يتسامروا مع بعض! ولا نظرات "هيام" وهي بتقوللي "باي باي" ، وكل واحد فينا عارف للأسف إن اللعبة خلصت وكله لازم يروح مكانه وإنها ولا هي بنتي ولا أنا مامتها، الموضوع من أوله لآخرة لا يخلو من قسوة للأسف الشديد!


17 comments:

ابن مرّ said...

على فكرة للأسف أغلب دور الأيتام على كده نفس النظرية وأسوأ
مرة كان حيصل جريمة قتل في أحد الملاجيء لطفل جميل أسمه عاطف لسه فاكر احساسي بنبضات قلبه نتيجة اهمال المشرفة عليه في نسيان دوا خطير قدامه
طبعا احنا اكتشفنا ده لأننا أطباء
بس لغاية دلوقتي بسأل كام ملجأ وكلم عاطف وكام طفل يتيم عطشان
مبيمرش عيهم شوية دكاترة مرفهين يقضوامعاهم وقت ويسيبوهم للمجهول ويمشوا
بجد تدوينة رائعة

باسم شرف said...

حلوة المشاعر دي قوي ياشيماء وخصوصا مع الاطفال

Anonymous said...

شيماء
ازيك الأول
جميل ان احنا نتعلق بالطفل لأنه من الحاجات النادرة اللي لسة بريئة في حياتنا

Shaimaa Zaher said...

أسمعوني: للأسف الناس إللي بايعة دول كتير، ومش دايما بمزاجهم ممكن الظروف ونقص الإمكانيات تضطرهم لكده. سعيدة لمرورك.

ابن مر: أنا ما كنتش اتخيل إن الإهمال ممكن يوصل لكده، وكويس برضه إن فيه ناس زيك يتحارب الإهمال ده. والله يكرمك من بعض ما عندكم يا أستاذ!

باسم شرف: الواحد بيحاول على قد ما يقدر يتصالح مع كل إللي حواليه والأطفال جزء كبير من ده.

تامر العفيفي: عندك حق ، بس الواحد بجد بيصعب عليه إن حتى الحاجة البريئة بنتعامل معاها بقسوة، ممكن بدون قصد، أو لأن ده بقى الطبيعي بتاعنا دلوقتي.

sarah la tulipe rose said...

فعلا المعاملة في دور ايتام كتيرة بتبقي قاسية مع الاطفال مش شرط القسوة تبقي في الزعيق او الضرب لا الكلام نفسه يبقي جواه كلام تاني
فعلا اقسي شعور و انتي ماشية لما تعرفي انك خلاص راجعة حياتك تاني و هم حيفضلوا زي ماهما يجي حد تاني يزورهم و يقولوا ماما و يمشي و يجي حد تالت و هكذا
اقسي شعور بجد و يمكن دة سبب نظرة عينيهم الي بقت راسخة جواهم

Shaimaa Zaher said...

سارة تيوليب: عندك حق ...القسوة مش شرط تكون بالإهانة المباشرة..

ولما بفكر في موضوع الأيتام، باحس إن الحل الوحيد هو تبني- التكفل بأطفال بعينهم. أنا كنت بأدي كورس للأطفال في الصيف إللي فات وكان عندي طفلة عرفت بعد كده إن مامتها كفيلة لها. بصراحة أنا كنت باحب البنت دي لله في لله بس أتاثرت بها أكثر ..الست مامتها دي كانت حد عظيم بجد ..كانت بتجيب البنت الساعة 8 في المكتبة وبتساعدها في الواجب و بترسم معاها لما كنت بطلب منهم واجب :)
عرفت بعد كده إن الطفلة دي مش الطفلة الوحيدة إللي كفلاها العيلة بس كافلين معاهم 4 أطفال كمان...أنا شايفة إن ده الحل الوحيد للأطفال دول..إن يبقى في على الأقل متابعة لأطفال بعينهم في دور الأيتام، وكأننا أخواتهم الكبار مثلا.. حاجة زي كده .

abderrahman said...

فعلا الواقع كده..
حتى لو كنا عايزين نعيش لحظة جميلة فيها خير أو طيبة بعيد عن القسوة اللي حوالينا، ساعات فيه ناس بيتطوعوا شرا عشان يفسدوا كل حاجة .
أنسة أو مدام مها بتفكرني بعقلية الممرضات والدكاترة وقسوة بعضهم على المرضى

Shaimaa Zaher said...

أبو باشا: مش عارفة ، هي يمكن ما تقصدش إنها تفسد كل حاجة، بس هي دي وجهة نظرها، هي شايفة إن ده حماية للأطفال، هي ما كنتش بتهينهم مثلا، بس هي دي طريقتها ويمكن تكون طريقتها في الحياة برضه... قصدي إن الناس إللي بترعى دور الأيتام، مفروض مثلا ياخدوا كورسات عشان طريقة التعامل مع الأطفال، بس ده ما بيحصلش طبعا، إنت بتكلم في ظروف على بعضها قاسية، فقر و مرتب صغير وفي نفس الوقت مطلوب منهم الحفاظ ع الأطفال دول، أنا بجد مش عارفة المشكلة في مين بالضبط.

طارق إمام said...

حلوة جدا..
فعلا الشيطان يكمن في التفاصيل , و ربما الملائكة أيضا
بالنسبة لمرارة الواقع , تذكرت أيضا عبارة لكاواباتا تقول : الواقع الأكثر لا إنسانية يصير إنسانيا بحكم العادة
رصد جيد لألم يومي

Mohamed Al-Ashry said...

//
شيماء زاهر
مدونتك زاهرة
..
الحياة مع الأطفال
تجربة ثرية
لابد أنك استمتعت كثيراً واستفدت منها
رغم قسوة المشرفات وتعالمهن المجحف
أو على الأقل حلقت في الهواء مع البراءة والجمال والطفولة
//
أحييك
..

Shaimaa Zaher said...

طارق إمام: مقولة جميلة أشكرك عليها، أجمل ما فيها إنها لا تتحدث فقط عن الأيتام، بل تتحدث عن معاناتنا اليومية ، فكلنا في مصر أيتام حتى لو لنا آباء وأمهات وتعودنا على اليتم وألفناه ...
سعيدة جدا بمرورك وأرجو ألا ينقطع التواصل ...

محمد العشري: هي تجربة ثرية فعلا استمتعت بها..فأن تشعر أن أطفال حولك سعداء بوجودك بالرغم من الزحمة والقسوة هي منحة من الله ورزق أيضا دون مبالغة..

تحياتي لك و لرواياتك التي لابد سأقراها قريبا...:)

مـحـمـد مـفـيـد said...

بوست رائع وهادف

ياسر شمس الدين said...

حلوه مشاعرك
وجميله مدونتك

Shaimaa Zaher said...

محمد مفيد و ياسر شمس الدين: شكرا جزيلا لكما و نورتم البلوج وكده ...

أُكتب بالرصاص said...

الصورة اللي صورتيها كانت مأساوية ...
مش قاسية

انا لو كنت مكانك ،
كنت جبيت مس مها دي
وفتحت بقها بالعافية ودلقت فيه الكولمن كله ، لحد ما تعمل بي بي قدام الاولاد

الناس اللي زي دي عايزين ضرب القباقيب


بالنسبة للاولاد

اخر سطر في المقال صدمني شدة

فعلا ...

تخيلت الموقف

اللهم كن في عونهم
ولا تحرم اب من ابنه
ولا تحرم طفل من ذويه



اشكر لك احساس العالي
ورقة مشاعرك

Shaimaa Zaher said...

أكتب بالرصاص: بلاش موضوع الكولمن ده.إلمرة الجاية يإذن الله، حبقى أجيب معايا كوبايات :)وننهي الموضوع سلمي أحسن.

ويارب فعلا ما يحرم حد من أمه أو أبوه..ويصبر الأطفال دول فعلا..ويقدر الناس برضه إنها تهتم بهم أكثر.

Diyaa' said...

براءة متتعوضش
بشكرك نيابة عنهم
لأنهم أكيد مش هينسوا اليوم ده

اخترنا لكم...حنان في الريف و خلي السعادة عادة مع ميادة!

وحشتوني جدا   أنا انهاردا في جو تمانيناتي جميل وباسمع هدى القمر لإيهاب توفيق والدنيا دندنة وباكتب لكم وأنا حاضنة البطانية  عاوزة اشاركم حاجت...