منذ أن عرفت الخبر وأنا في حالة غريبة ، لدي استعداد لكي أضحك على أي شيء تقريبا مهما كان تافها، اليوم جاءت لي طالبة بعد المحاضرة ، قالت لي إنها تحب أن تراني وأنا أضحك، قلت لها إنه ليست من عادتي أن أضحك في المحاضرات ، لكن بطل القصة التي أشرحها يدعو إلى الضحك بالفعل، القصة تدور عن رجل روسي يقيم حفل زفاف لابنته، الرجل يحب السمك، وعندما رأى السمكة في المطبخ ، لم يتمالك نفسه فانحنى وأخذ يلعق شفتيه، الخادم كان يمر بالجوار ، فظن أن الرجل يقبل الخادمة ! تشيكوف ده مسرخة! قلتها في سري وأنا أنظر للطالبة التي أخذت تحدثني عن دكاترة القسم ، قسم إجتماع.
أصل حضرتك همه بيشتمونا!
أصل حضرتك همه بيشتمونا!
بيشتموكم إزاي يعني؟ شتيمة شتيمة يعني؟
أيوة ..الدكتور إنهارده قال لنا أنا عايزكم تقعدوا زي الجزم، ودكتور تاني قال لواحد إنت نحجت في الترم الأول حاسقطك في الترم التاني.
حاولت أن أبدو بملامح محايدة، لكني لم أستطع، علت على وجهي ابتسامة وأنا أقول لهم في اندهاش "لا..الموضوع ده غريب..ده يضحك أكثر من تشيكوف" ، نظرت في وجه طالبة بجواري فوجدتها تخفي شعور بالارتباك بداخلها، أعرف ذلك الشعور جيدا، أن تشعر بالخجل لأنك لا تحب أن يراك شخصا ما تحبه في موقف ضعف، لم أجد ما يمكني قوله سوى إن عليهم ألا يكونوا سلبيين، ليتحدثوا مع هذا الدكتور إذن أو غيره ويفهموه إنهم غير ذلك، وإنهم ليسوا مسئولين عن سلوك طلاب معينة من الدفعة، تركوني والابتسامة لازالت تعلو وجهي!
غلابة الطلبة دول، يشتكون لي أزمتهم مع الدكاترة ، ولا يعرفون إني لا اختلف عنهم كثيرا، منذ أربعة أيام وأنا أقاسي في القسم كي أحصل على البطاقة الوردية، مشكلتي إني أبدو طالبة في رابعة جامعة على الأكثر، لو كنت دخلت القسم وزعقت فيهم وقلت لهم "أنا دكتورة شيماء زاهر" كانت البطاقة أحذت منى يومين بس!
مشيت في الكوريدور في اتجاه المصعد، ضعطت على الزر، ضعطت مرة أخرى ثم اكتشفت أن عامل المصعد روحّ خلاص ولو فضلت حتى واقفة لغاية انتخابات الرئاسة الجاية، الأسانسير مش حيطلع، سرحت في المشهد أمامي، الأنوار بالليل تضيء قبة الجامعة تجعلها جميلة، جميلة بالفعل، تحركت من مكاني، ورحت أفكر، ألهذا يحبوني؟ لأني الوحيدة التي أعاملهم كبني آدمين بينما بيعاملهم باقي الدكاترة كجزم وكراسي، لو كان الأمر كذلك ، فهذا يعني ببساطة إن مفيش فايدة، ألم يقل لي شخص ذات مرة إن البلد دي ما ينفعش فيها إصلاح ، وإن كلها عايزة تولع وتتبني من جديد..أة والله قال كده ..تولع!
ما أن خرجت من السلالم إلى بهو المبنى، كنت أسمع طالبة تقف مع طالبة أخرى ، وهي تقول لها إن "دي الدكتورة بتاعتنا" ثم أردفت "دي دكتورة زي العسل" ، ابتسمت بالطبع، والأخرى تسألها "دي دكتورة إيه؟" قالت لها "دي دكتورة إنجليزي" ، والله فكرة، يعني هو لما حد يسألني إنت تخصص إيه لازم يعني أقعد ربع ساعة أشرح له في فروق ما بين ستيليستكز و لينجويستكس ، ما كده حلو أوي ، "أنت بتشتغلي إيه؟" ، علاطول أجاوب "أنا دكتورة إنجليزي"، قشطة والله، روحي يا شيخة ربنا يكرمك، في الطريق إلى العربة ، استوقفتي طالبة كي تسلمني التعبيرات التي طلبتها منهم، أخذت تقول لي وعينيها تضحك إن المرة القادمة حتجيب لي تعبيرات أخرى، قلت لنفسي إن واضح إن العيال دول فاضين لي بقى! فتحت باب العربة، وأخذت أحرك الدريكسيون وأعود بالعربة للخلف، ابتسمت، تذكرت نفسي وأنا أغمس أصبعي في الحبر السري في ارتباك وكأني مثلا سأحقق بعدها نصرا عظيما! أهو ولا حاجة تغيرت! وما حدش يقول لي تزوير والنبي ، عشان الناس في البلالا أساسا ولا فارقة معاهم آه ولا لأ!
عبر بوابة الجامعة الرئيسية، كنت أمسح ملامح الابتسام أمام حرس الجامعة؛ وبعدين أنت مزعلة نفسك ليه يعني؟ ما الدنيا حلوة أهه، والعيال بيسمعوا الكلام و بيطلعوا الكلمات من قاموس ، وكله ألسطة، يا شيخة فرفشي أمال، ده العيال بيحبوكي يا شيخة، هو فيه حد يلاقي حد يحبه في الزمن ده؟ بلا تعديلات دستورية ، بلا يحزنون! ورحت أفكر في أنطون تشيكوف والرجل الذي أحب السمكة الملظلظة، والله إنت مسخرة يا شيكو، لأ بجد ، دماغ يعني!