اعطني يدك

أخا العروبة...
أوطاننا التى
عشنا مُقبلين
أقدامها
وفى ترابها نحيا
وفى قُدْس لنا من
أقداسها نموت
بنا لم
تعد
تزهو.. بنا؟! وقد مَزقْنَا
أعلامنا.. الأحلام والنشيد
لأن مالنا
الآن لم يعد لنا
تمزق الوريد بالوريد..
دانت لنا
من قبل دنيا
كالجنة موعودة عروبة
فمالنا؟
كأننا نريدها ولا نريد
والآن.. من نكون
فى سُرّة الوجود؟
أزهارنا التى تفتحت على قلوبنا
يخونها العبير
أطيارنا التى
تغنت
بالحب ألف مرة
خرساء جُنت
يجرِّحها الكلام
ويوجعها السلام..
رسائل البريد
فلتعطنى يدك
أخا العروبة
فما رسمناه معا
خرائطاً
من ساحاتها يقصفونها وقُدْسَها
أنهارنا.. جبالنا
سماءنا
أمطارها التى نُسقى
قميرها الوليد
فلتعطنى يدك
أخا العروبة
كى نرفع الأعلام فوق
جباهنا
بلاد
بلا
أعلامها تبيد
فلتعطنى يدك
أخا العروبة
فقد تمزقت جلودنا
تشققت صدورنا
من لوعة النشيج
فلتعطنى يدك
أخا العروبة
كى نولد
من دمعنا الطهور
ومن دمنا الزكى
لنولد من جديد

حجر أحمر في المنتصف



على الحافة

على حافة "البيسين" أقف، أنظر للمعة المياة، إذا ما قفزت بداخلها سأتحرر تماما من مخاوفي، ألقي نفسي بها، وتلفظني خارجها، قفزة واحدة تضمن ليّ ميلادا جديدا، أعرف جيدا ما سأسفعل لو استطعت القفز، حين أرى النور، سأبدأ في العجلة، أعوم بريست حتى أصل إلي الستارت، ما المشكلة في ذلك؟ تباغني موجة شجاعة ،أقول لنفسي إني تقريبا تخلصت من مخاوفي، اتذكر كيف كان يرتعش جسدي في المياة، الآن أعوم بأريحية ، لم يعد قصر النفس يسبب لي مشكلة لأني تعلمت أن أعوم ورأسي خارج المياة، لدوائر المياة جذابية ما، يميل جسدي دون أن أقصد للأمام، أحرك ساقيّ خطوة ، الأصبع الكبير أكثر اقترابا للمياة، أضع يدي على أنفي، يدي الأخرى بجوار فخذي ، أعد واحد اتنين ثلاثة،أفتح عيني، أحدق في لمعة المياة ...



الأحد 28

تذكرت وتذكرت، فلم اتذكر شيئا؛ عقلي بلا رامات تقريبا؛ جلست على الكنبة؛ السادسة إلا الربع؛ ربما كنت في وسط
البلد، ربما لا، عقرب الثواني يقفز أربع عدات، تابعته، يتلكأ عند رقم تسعة أربع عدات بانتظام، خفضت بصري ، ثبتت عيني على السجادة، كإنما في حضرة شيئ ما، ضوء أصفر انساب عليّ ، تأملت فراغ الكراسي أمامي، تصورت عيون يغشيها التراب تتحرك في دائرة، قلت لهم إنني لا أذكر إن كنت في البيت منذ يومين، أم في ندوة ما، قد يبدو الأمر بسيطا، لكني لا اعرف أشياء أخرى، الفتاة الجالسة أمام الساعة الآن مثلا هي أنا، لكنني ربما أكون مخطئة، ربما هي شبيهة ليّ ، ربما أنا هنا معكم، أخافتني التماعة حافة الكرسي، كنصل سكين سقط عليه الضوء؛ وضعت يدي على صدري، أمسكت بساعتي الذهبية، أهدتها لي أمي ، حملقت في ذلك الجالس أمامي، اردفت، لكنها لا تعمل؛ سألتني أمي لم أنا ساهمة هكذا؟ قلت لا شيء، فقط تذكرت شيئا ما؛ حملت النتيجة من على الطاولة، اليوم الذي تسأل عنه الأحد 28؛ سرت في بطئ بالطرقة، آوان مستطرقة على كتفي؛ سحبت كرسي، سندت رأسي على الحائط، أغمضت عيني، فراغ أسود به نقاط أقل سوادا، تحركت للإمام في ذات الوقت الذي سمعت فيه جرس عجلة، تابعت الرجل حتى غاب، مرت نسمة على وجهي.



Self Defense


استعرته من صديقتي، قلت لها إني مسافرة لفيلا أخي بالساحل وأحتاجه بشدة؛ اخترت أن نجلس في الهواء الطلق، لا أحب التكييف، الجرسونات هنا لا يأتون عادة، فكرت إن المكان ملائم ، وضعت السيلف ديفنس في مكان يسهل الوصول إليه بالشنطة، ضاقت عيني، و أنا أتأمل ملامحه، رسمت شرطا على جبينه، قلت إنه سيتفهم موقفي، سيدرك إني لم أفعل ذلك لأني اكره، أو أمقته أو.. أو ..، فقط أردت له شيئا لطيفا، خط طويل على جبينه يلفت انتباهه كلما نظر لوجهه في المرآة. الجرسون لم يأت بعد، أمامي عشر دقائق، ربما تزيد لأنهم متشغلون بعيد ميلاد على الترابيزة المجاورة، قربت الشنظة تجاهي، قلت إني أحضرت له هدية، أخرجت الأنبوبة، ضعظت عليها تجاه أنفه، أزاح يدي، ثوان، مال برأسه للأمام، نهضت، مثّلت إني أحدثه، أعدت رأسه تجاه الحائط برفق، كنت حذره، ربما كان يمثل لير ما سأفعله به، تأكدت أنه مغشيا عليه بالفعل، مررت بالموس على جبينه، جز على شفتيه، تلك النشوة كنت ما أريده أن يحس بها، يروح ويجيء في أطياف، ربما يشكرني فيما بعد، ربما يغضب في البداية، لكنه لن يقدر على فعل شيئ، ثم إني لن أمانع في الاعتراف لو سئلت إن كنت أنا من تسببت في أذى جبينه. حملت حقيبتي، اصطدمت بالجرسون ، صرخت ، شخص ينزف، إسعاف، ابتلعتني شوارع الكربة، سرت في أنبوبة كبيرة يتناهي إليها صوت مياة، أنا حزينة فقط من أجل ملامحي ، بلا شوائب تقريبا منذ دقائق قليلة، في نهاية الأمر تسبت له في عاهة مستديمة؛ على زجاج المحل نظرت لوجهي، آيس كريم سايح.مررت الموبايل اللزج على مفرش السفرة، ضعطت ديليت، باك، عدت لوجه ابنة أخي، تأملت أصابعي، خالية من
دم



سجن

لا أذكر إن كنت هنا منذ عامين أم أكثر، غرفة كبيرة بسرير، وحمام وبلكون صغير يمكني أن أجلس فيه وقت الصباح، في الليل، اشاهد القمر و خيالات المارين ؛ بالخارج رجل يجلس على كرسي، من ملامحه يمكني أن أقول إنه رجل طيب، لا يفعل شيئا سوى قراءة الجرائد، يغادر المكان بعد أن يتأكد إن الباب مغلق.أسرح طويلا في نشع المياة في السقف، أشكال سريالية، وخطوط. على الحائط إمضاءات لمن سبقوني، لنقل أني أسيرة هنا، حارس على الباب. أعرف إني أكذب، لو حايلته قليلا من الممكن الهرب، كثيرا ما يترك الباب دون غلقه، تصورت خياله وراء بالباب، قلت إن كلانا يمثل، أنا الاسيرة، وهو السجان، امتعض وجهي عندما تذكرت العالم الذي كنت أعيشه قبل أن آتي إلى هنا، ضجيج وصراخ يدعو للغثيان، سأبقى.الرجل الطيب ترك الباب مفتوحا، الساعة الثانية عشرة ولم يأت؛ فتحت الباب، تخطيت ممرا ، رأيت ذات البيوت من قبل، قريبة لعيني،على الأريكة جلست أفكر إن كنت سأكمل السير، أم أعود، تخيلت ظلال الرجل الطيب، ممسكا بالجريدة، سرحت في الأسفلت، لابد إنهم سيأتون بسجان آخر، أكملت السير، ناظرة للطريق من فوق لأعلى، تجاه البيوت.



حجر أحمر في المنتصف

اعترف إني أذهب أحيانا للأزهر لا لشيء سوى التمسح في الماضي، أمر على حارة الصالحية حيث النحاسين ، أخطو على رقع الحجر السوداء، كباشا قام ناصر بتأميم أملاكه، على الأقل أنا لي تاريخ، أشعر بالزهو بنفسي حينما ينادونني بالإنجليزي أو الإيطالي، كأن أمامي طبقا من فضة به ماء، اتذكر زيارتي للبيوت القديمة، السحيمي، زينب خاتون، الطيور تعود وقت الغروب، أنا لم يكن مكاني في هذا العصر، كان مكاني هناك، بيت كبير تتوسطه نافورة، عازفات عود ، و جواد عربي أسمع صهيله، أدخل محل الفضة، تلفت نظري حلية بحجر أحمر في المنتصف، بالضبط ما كنت أبحث عنه، دائما ما أجد أشيائي بعد تعب، لابأس بثمانين جنيها، أكمل السير إلى جامع الحسين، على الرصيف المواجه للجامع، بخور و حلي و جِمال على الرصيف. الحجر الأحمر حوله نقوش، النقوش في إطار يميل إلى الأسود، الأسود لون الليل والكعبة و الأسفلت، اتمهل قبل الخروج، القي نظرة أخيرة على باحة المسجد، بينى وبين الأسفلت مسافة قريبة، أعيد النظر إلى حذائي، أصعد الطريق، بجوار السور.

إيه إللي بيحصل بره؟

يمكن ما فيش حاجة جديدة، زمان اتنشر لي مقال أو مقالين في أخبار الأدب بتكلم فيهم عن حدث ثقافي بيحصل بره وفي بص وطل ده كان جزء من شغلي، لما كنت محررة دايمة في الموقع، بس ده ما كنش بيحصل بكثافة. دلوقتي بعمل ده تقريبا بشكل أسبوعي، واقدر أقول إن الفترات إللي بآخد فيها جولة في المجلات وبترجم الأخبار بحس كإني كنت في رحلة ورجعت تاني: مهرجان في إنجلترا مثلا قايم على الفن الكاريبي أيام ما كانت جزر الكاريبي مستعمرات، وإزاي إن الاستعمار انتهى بس جزر الكاريبي نفسها بتقدم فنها في بلد كانت مستعمراها، أوبرا عايدة تتعمل بإخراج جديد في الميّة على بحيرة في النمسا، و في إنجلترا برضه 66 يوم تفضل الشوارع منورة بالليل باستخدام أشكال مختلفة من الضوء، وكتب قبل ما تطلع يتعمل عليها دعاية، وتبقى معروف هي حتطلع أمتى بالضبط، ده غير الجوايز الأدبية إللي ليها مواقع على النت تقدر تعرف منها مين إللي فاز بالجوايز دي الأعوام السابقة وفازوا ليه، وانتقاد للكلاسيكيات زي ما في فرنسا انتقدوا روايات طرزان لأنهم اعتبروها مسئية للمرأة والسود، ومشاكل برضه بتعاني منها أمريكا في العنصرية ، م الآخر يعني، حابة انقل العالم ده،عشان كده المدونة الجديدة إللي حيتم تحديثها بشكل أسبوعي بعد نشر المقال في بص وطل
المدونة أهه:
وصباح الفل
:) :) :)

فار

في معرض الكتاب القبل الماضي، كنت في جناح دار ميريت لأن كان عندي ندوة عن التدوين وكان حفل توقيع رواية محمد صلاح العزب، فتاة شابة اقتربت مني وسألتني إن كنت اعرف روايات أو قصص لكاتبات لتقرأها، أشرت لها على رواية نهى محمود، وأضفت في خجل إن ليّ مجموعة أسمها البلياتشو، ذهبت لأحضارها من الرف ، كنت سعيدة إن هناك "زبون" ، "زبون يا بوي".
تعاملت بنفس الحماس مع كل إيميل جاء من قارئ مجهول.
كنت في ميريت منذ شهرين وطلبت نسخ من عم عبدالله، قال لي إنه يظن إنها خلصت، للوهلة الأولى علق السؤال في ذهني:
ليه هو إنتم عندكم هنا فيران؟
سرحت في الكتب الموضوعة خلف عم عبد الله وأنا استأذنه أن يسأل الأستاذ محمد هاشم على نسخ لأني محتاجة نسخ ضروري.
عرفت بعدها إن ما تبقى نسختين أو ثلاث.
في حفل توقيع أبناء الجبلاوي للأستاذ إبراهيم فرغلي، حضر الأستاذ بهاء طاهر، كنت سعيدة جدا لرؤيته وكنت سعيدة لانه عزمني على كوباية شاي في ديوان، جالسة أمامه، فكرت إن كان التواضع يقترن بالشخص أم إنه يأتي بعد مرحلة معينة من النجاح، أصدق أكثر إن سمات الإنسان لا تخصع كثيرا للتغير، أقابل في الحياة بعض الأشخاص الصلفين، لا أظن إن تقطة تحول ستحدث لهم في مرحلة ما، لابد أن تلك الساعة مع أستاذ بهاء هدية ، تعويض، ربما لأشياء أخري، إني دخت مثلا على مكان اركن فيه العربية، عشان الريس الأمريكي جاي، ومن كثر الحر والزهأ ، دخلت في أسئلة من أمثال هو أنا ليه عايشة هنا مع إني ممكن أهاجر بره؟
في الترابيزة المجاورة كان فيه صديقة من دولة عربية، كانت بتحكي إنها لما بتيجي مصر ، بتحس بفرح في طعم الشوارع، قلت لها يمكن عشان جاية بلد تانية، أنا لما بسافر بلد تانية باكون مبسوطة ، طبيعي يعني، بس هي أكدت إن فيه فرح، فيه فرح يعني فيه فرح.
هي برضوا سألتني على الكتاب، بس على العكس من سنتين فاتوا، ما كنتش مهتمة بالموضوع أوي، بالعكس، فكرت إنها لو لقت نسخة ممكن تكون آخر نسخة موجودة، وديوان بقى حتبقى عاملة إزاي من غيره؟ مشكلة برضه.
أحملق في شاشة الكمبيوتر الآن واتصور فار أمامي، يجيئ على بالي وجه الشبه بين فأرة الكمبيوتر والفار ، شكلها فعلا يشبه الفأر، ربما لأنها تتحرك سريعا، على الديسكتوب، التي لابد مجموعة من الفئران نزحوا إليها، والتهموا الكتاب، في ماي بيكترز، رجل المرور على الغلاف، في مي دوكيمونتسد، الخمساتشر قصة ، الريسايكل بين، المخطوطات الأولى التي سلمتها لمحمد هاشم. الفئران عندنا ملازمة للاشمئزاز، اتذكر الآن سيدة أوروبية رأيتها تقبل فأر أبيض على كتفها، يتحرك في استكانة بليدة، على الأرض فأر آخر أسمر، يمر أمامي كلمح البصر.

إنني أحبك

يا آلهي، عندما انصت لأصوات الحيوانات، ولحفيف الأشجار، وخرير الماء وغناء الطيور، وهدير الريح وهزيم الرعد، أرى فيها دليلا على وحدانيتك، أشعر إنك قهار، عليم، حكيم وعادل. يا إلهي، أدرك وجودك في الصعاب التي أمر بها الآن، إلهي ليكن رضائي من رضائك، واجعلني مصدر بهجتك، تلك البهجة التي يستشعرها الأب في وجود طفله، ولتجعلني أذكرك في سكينة وعزم ، حتى لو كان من العسير عليّ أن أصرح أنني أحبك

ذو النون المصري (796-861 م)
من ترجمة لياسر شعبان لنص لباولو كويليو

عن ماما، وليلى وعزة بدر

أظن إني تعرفت إليها في المرة الأولى التي ذهبت إلى نادي القصة، النادي يقع في عمارة بشارع القصر العيني، ذي طراز قديم تدركة ما أن تمر من بهو العمارة بالداخل، تصعد السلالم إلى شقة ذي سقف عالي وكرسيين فوتيه جلد في المدخل، كنت ذاهبة لحضور ندوة للأستاذ يوسف الشاروني، وأخذت أتأمل السيدة الأنيقة التي تجلس أمامي بجوارها فتاة صغيرة في زي المدرسة، عرفت إنها ناقدة و إن الفتاة بجوارها ليلى ابنتها، تعاطفت على نحو ما مع ليلى، عيناها الناعستان، الشراب الأبيض، شنطة المدرسة على الأرض، ابتسمت للسيدة وأنا لا أصدق إن الفتاة الصغيرة ستجلس في القاعة بعد دقائق لتستمع إلى نقد أدبي لا أعلم كيف سيكون، على اعتبار إن بعض الندوات الأدبية تكون أحيانا اختبارا لقدرة المتلقي على الصبر، وعلى فهم اللغة العربية، وكفارة عن ذنوب صغيرة لم تكن تدرك ربما إنك تفعلها، عدت في كرسيّ بالخلف، سرحت في الزجاج الذي يفصل القاعة الداخلية عن المدخل، فكرت أن أقطع على ليلى صمتها وأحكي معها.

لم أر ليلى مرة ثانية، لكن توالت رؤيتي لدكتورة عزة بدر؛ حين عدت إلى البيت ذات مرة أخبرتني والدتي إنها اتصلت بخصوص ندوة في المجلس الأعلى للثقافة، اتصلت بها وفهمت إن المطلوب مني أن ألقي قصة كفقرة ضمن فقرات أخرى من الشعر والموسيقى والسينما، بصحبة والدتي ذهبت، أحبها أن تراني في تلك اللحظات التي تحس فيها بأن ابنتها "العنيدة"، هكذا تقول وهي تبتسم في بعض الأحيان، تحقق نجاحا على نحو ما، قرأت القصة، انتهيت منها، داريت خجلا ما يصيبني بعد مواجهة الجمهور في إعادة ترتيب الأوراق، نسيت أن أمرّ على وجه والدتي لالتقط عبر البث المباشر تعبيرات وجهها، في البيت قالت إني كنت "ممتازة" ، انسحبت إلى غرفتي وأنا أفكر إن كانت على أي حال ستقول شيئا آخر.

حين عدت من رحلة سياحية إلى تركيا الصيف الماضي، كان أول شيء تقوله لي والدتي إن دكتورة عزة بدر اتصلت وإنها كانت تريدني في شيء ما، قالت لها إني مسافرة، أخبرتني والدتي إنها أحبت الحديث معها ، في العربية في طريق العودة من المطار، كانت عائشة ابنة أخي تجلس بجواري بفستان أبيض منفوش، و تربت على يدي بين الحين والآخر، أخذت أنظر للزهور التي أحضرتها لي، تابعت العساكر بالساتر البرتقالي ، أحسست إني كنت افتقدهم و كنت مشغولة برؤية ملامح القاهرة التي بدت لي عجائبية، في أسى قالت لي والدتي إني أبدو غير مهتمة برؤيتها بعد غياب دام لسبعة أيام، وإن عليّ أن اسأل أخي كيف كان حالها في أول يوم بعد سفري، وإنها افتقدتني، لم اعرف كيف أرد، كان الأمر سيستغرق بعض الوقت كي أفهمها، كأني كنت في مركبة فضائية، ولم اعتد بعد على إن حركة صغيرة لن تأخذني أبعد منها. في البيت حكيت لأمي عن اسطنبول التي كانت قد زارتها ، ابتسمت طويلا وهي تحكي لي عن أشياء لم ألمحها هناك، لم تعد موجودة تلك الأشياء يا أمي، يا ست الكل.

قبل سفري إلى الحجاز مع أمي وأبي، كان آول من اتصل به دكتورة عزة بدر، في التليفون كانت تحكي لي عن مكة، عن الحج ، وعن المشقة، تعلق قلبي بالكعبة أول ما وقعت عليها عيناي، بجواري وقفت أمي تردد الله أكبر، أمسكت يدها وأنا سعيدة إني دعوت الله في ذات اللحظة التي امتد بصري للكعبة، كانت هذه النصيحة التي سمعتها من كثيرين، في النظرة الأولى للكعبة دعوة لا ترد، ولازلت أرجو الله أن يجيب لهذه الدعوة بالذات، أرجوه بشدة.

بعد شهر تقريبا، كنت أجهز لكتابة قصة ألقيها في المجلس الأعلى، القصة استمتدها من زيارتي لأسطنبول، لكني بدلا من الذهاب إلى المجلس بقدمين سليمين، كنت أذهب إلى المجلس بقدم يكسوها الجبس وبعكاز، مريم وسلمى بنات أخي كانتا بجواري، في حالة من عدم الفهم عما يجري حولهم، إلى البيت عدنا بهما شبة نائمتين، تذكرت المرة الأولى التي رأيت فيها ليلى.

أمام الكمبيوتر أجلس الآن وأمامي ديوان لعزة بدر، كنت أنوي أن أكتب عنه، لكن الحال انتهى إلى الكتابة عن والدتي، وعنها ، ومع ذلك انهي التدوينة بقصيدة من الديوان بعنوان "مواقيت"، تحمل تساؤلا نمر به أحيانا، ربما كثيرا:

يارب

يارب في هذا الوقت من اليوم
في هذا الوقت من العام
في هذا الوقت من العمر

لأمر على الدنيا
وكما لو كنت سحابات
أو بعض غمام
يارب

في هذا المسبح
لتسّبح في النهر
ذرات رمال
تمتد جبالا من وهم
من خوف ظنوني
وتراني
سبحت بحمدك
وبما هو لك
من تاج جمالك
من روح كمالك
وتراني
في هذا الوقت من اليوم
في هذا الوقت من العام
في هذا الوقت من العمر
ومن الأحلام!
ككلام طيب
أبقى جذرا في الأرض
وكريح رخاء
كسلام في الناس
ومسرة
أم أن القلب
في عمق البحر
زبد
وبكاء للريح؟!


من ديوان "يا حب" د. عزة بدر كتاب الجمهورية-2008

كرسي رقم اتنين وعشرين

في صالة السينما، سيكون هو بجوارك، بكيانه الشفاف البلوري ، بوقاره، بحذائه اللميع و وقدمه التي يضعها فوق القدم وحين ترين الناس في الصالة وجهين متلاصقين لرجل وامراه ، ستلتفين إليه وتشكرينه: "الحقيقية أنا مش عارفة أشكرك إزاي! كل مرة لما اروح السينما كده لازم تيجي معايا! أنت جنتي أوي!" و تكون الموسيقى الهادئة قد بدأت حين يأخذك هو بين ذراعيه ويجوب بك الصالة، وتحسين بلمس يده على جسدك دافئا كبقعة من النور، و إلى الستائر الطويلة، ستختبئان وتظهران، كتجربة عملية إنكما أصبحتما كائنين بلورين ليس لأحد من هؤلاء الجالسين أن يراكما، وتتحولان في لحظات إلى منديل يطير، وردي اللون...كذلك الذي سقط في إعلان زبادي قديم...ستداعبان به الطفل الذي يجلس وحده ويحس بالغربة مثلك، سيجد المنديل يسقط على يده، وسينظر يمينا ويسارا يبحث عن الفتاة التي سقط منها إيشاربها الوردي القصيروحين يبدأ الفيلم، ستعودان كما كنتما ، في نفس المكان ...بنفس تريب الكراسي... سينما التحرير... بلكون ...كرسي رقم واحد وعشرين ...كرسي رقم اتين وعشرين... وسيطمأنك هو حين تنزعجين قليلا حين يزيد معدل طلقات الرصاص في منتصف الفيلم، وفي الاستراحة ستجديه يقص لك أحداث الفيلم، رآه قبل ذلك ثلاث مرات، لكنه أتي اليوم فقط كي يكون معك! وستغالبين شعور بالملل تجاهه: يا عم أنا مش عايزاك تحكي لي حاجة! وحين ينتهي الفيلم و يلفحك الهواء البارد خارج الصالة، سيكون هو بجوارك، ستسيران سويا، تركبان المترو، تصلان إلى البيت، وسيسابقك هو في الصغط على الجرس...وسيُفتح لك الباب ومسحة من السعادة تعلو وجهك... تزول بعد ذلك كلما تذكرتيه بحذائه اللميع، بكيانه البلوري، و قدمه التي يضعها فوق القدم ...

اخترنا لكم...حنان في الريف و خلي السعادة عادة مع ميادة!

وحشتوني جدا   أنا انهاردا في جو تمانيناتي جميل وباسمع هدى القمر لإيهاب توفيق والدنيا دندنة وباكتب لكم وأنا حاضنة البطانية  عاوزة اشاركم حاجت...